سوالف
فكرنا العربي.. المواقف.. القيم!
الجمعة 09 أغسطس 2013
أعتب كثيرا على “علامة” عربي رفض الدخول في مناظرة مع عالم غربي حول مسائل فلسفية تتعلق بالكون ومصير الإنسان، لا لشيء... إلا لأنه يرفض المثول أمام شخص.. ملحد قد يقنعه وقد لا يقنعه!!.
نقول لهذا “العلامة”.. إن الفكر الغربي ولد من خلال مناظرات طويلة معمقة، مع جميع مدارس الفكر وعلى مر العصور، فتمثل ما شاء أن يتمثل، ورفض ما شاء أن يرفض بكل جرأة وبسالة ودون أن يحس بالهزيمة أمام صور الفكر الحضاري.. فالفكر الفاعل فعلا حقيقيا في مسيرة التاريخ، والعنصر المولد لأكبر قضايا الإنسان المتحضر هو ذلك الفكر الذي ينطوي على مفاهيم وقيم ومثل ومواقف، تؤلف جميعها في ضمير المجتمع قرارا مستقرا واضحا إزاء مسالك المجتمع ووجهتها وتستهدف غاياتها ومراميها.. وبهذا المعيار وحده يقاس عمق الحضارات، وارتفاعها... فحضارة أميركا الراهنة، طبقا لذلك لا يمكن أن تعتبر من الحضارات الكبرى في التاريخ الإنساني، لأنها تفتقر إلى هاتيك المفاهيم والقيم والمثل والمواقف التي يمكن أن تؤلف في ضمير المجتمع الأميركي قرارا مستقرا إزاء الإنسان ومكان الإنسان من العالم ودور الإنسان في التاريخ. ولقد عبر بعض كتاب أميركا، من أمثال أرنست همنغواي عن هذا الافتقار، فكتبوا تلك الآثار التي عبرت عن معنى الضياع والقلق... وتحولت مواقفهم في الحياة الى التعبير عن معان رخيصة في النجاح اليومي. فعندما أراد همنغواي ان يؤكد عظمة الحياة الإنسانية، لم يستطع ان يتخذ موقفا اكبر من ان يرى في بطل ملاكمة قوة من قوى ديمومة الحياة البشرية وقدرتها على الانجاز.
وبهذا المعيار ذاته، يمكن أن نتأكد من سمو الحضارة الهندية القديمة، لأنها تنطوي على قرار مستقر مطمئن من الإنسان ومن مكان الإنسان في العالم وارتباطه في الكون. وطبقا لهذا المعيار أيضا، يمكن أن نستجلي الخصائص الذاتية لفكرنا العربي، ومدى قدرة هذا الفكر على تقديم تلك المواقف والقيم والمثل التي يمكن أن تؤلف في ضميرنا قرارا مستقرا ثابتا مطمئنا من الإنسان ومن العالم.
ان ذاتنا العربية، في أعلى صورها وحالاتها، وبقرارها الذي اتخذته على أساس من قيمها ومثلها ومواقفها وارتباطاتها بالعالم والإنسان، كانت تملك القدرة على التحصن ضد الغزوات لترد على جميع تلك القوى الغازية التي تعرضت لها في تاريخها أكثر من مرة. وليست ذاتنا العربية بدعا قي ذلك.. فالشعوب الكبرى ذات الحضارات العظيمة تمتلك جميعها مثل هذه الذات المتحصنة التي تمكنها من خوض كل معركة لرفض التلوث الذي يمكن ان يصيب نقاءها.. والله من وراء القصد يا عربي!.