ستنتصر البشرية وستعود إلى قاعدة القيم الرزينةIN محلياتمراسل الصحيفةأبريل 19, 20200نشر
[url=https://www.pinterest.com/pin/create/button/?url=https://delmonpost.com/?p=21359&media=https://delmonpost.com/wp-content/uploads/2020/04/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A-%D8%A7-%D9%84%D8%B4%D8%B9%D9%84%D8%A9-2-2.gif&description=%D8%B3%D8%AA%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%B1 %D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%A9 %D9%88%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%88%D8%AF %D8%A5%D9%84%D9%89 %D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85 %D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A9][/url]
[size=30]
كان العالم في حاجة إلى صدمة إلى شيء ما يوقظه ويهز ضميره فقد بلغ السيل الزُبى على أثر غَلَبَةْ النظام الرأسمالي بأدواته وأساليبه الوحشية أدى إلى حدوث انعطاف وتحول خطير في القيم والمعايير الإنسانية والأخلاقية
بقلم : عبد النبي الشعلة
كان العالم في حاجة إلى صدمة، إلى شيء ما يوقظه ويهز ضميره؛ فقد بلغ السيل الزُبى على أثر انهزام النظام الاشتراكي بنظرياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغَلَبَةْ النظام الرأسمالي بأدواته وأساليبه الوحشية، مما أدى إلى حدوث انعطاف وتحول خطير في القيم والمعايير الإنسانية والأخلاقية. وخذ بعض الأمثلة على ذلك: مطربة خليجية كانت مغمورة حتى عهد ليس ببعيد جدًا، طفحت وقفزت إلى الواجهة، واعتادت على أن تستعرض باستعلاء واستفزاز في طائرتها الخاصة ما تكتزه من أموال، وما تقتنيه من أثمن وأنفس الحلي والمجوهرات، وما تملكه من سيارات فارهة وأطيان وفلل وشقق فاخرة في مختلف دول العالم، وما تنفقه على رحلاتها وعطلها وعلى تصميم وشراء الفساتين والإكسسوارات والعطور ومستحضرات التجميل، وما تنفقه أيضًا على الجراحين الذين يجرون عمليات تغيير ملامح الوجه وتقاطيع الجسم (ولا أقول عمليات التجميل؛ لأن العطار لا يُعيد أو يُصلح ما أكله أو أفسده الدهر)، إلى جانب ما أصبحت تتمتع به هذه المطربة من حظوة ومكانة وشهرة واسعة. ولا تنحصر مثل هذه الحالات في منطقتنا بل إنها منتشرة في كل أنحاء العالم، بينما أكبر وأشهر دكتور أو بروفيسور في الجامعة يفني نصف عمره ويقضيه في التحصيل العلمي أولًا ثم يباشر بإحراق الباقي من شمعة عمره متفانيًا في تعليم وإعداد وتهيئة الأجيال القادمة؛ ولكنه بالكاد يستطيع في نهاية المطاف أن يُكون أسرة ويبني بيتًا لائقًا له ولأفراد أسرته ويضمن لأبنائه التعليم الجيد، والحال كذلك بالنسبة لكبار الأطباء والجراحين والمهندسين والمحامين وغيرهم من المهنيين والمتخصصين الذين لا يُطلق عليهم “نجوم”، والذين يعملون ويكدحون في كل زاوية من المعمورة من أجل المساهمة في خدمة الإنسانية ورقيها، ومن أجل توفير لقمة العيش الكريم لهم ولأسرهم.
وقد نُقِلَ لي، والعهدة على الناقل، أن مديرة مدرسة كبيرة من حملة شهادة الدكتوراه في إحدى دول الخليج العربي تقول إن جارتها خريجة المرحلة الثانوية أصبحت “فاشانستا” بعد أن انخرطت في مهنة جديدة يمكن أن نسميها مهنة “الفاشانستنة”، وأن دخلها الشهري أصبح يفوق مجموع المرتبات الشهرية للمديرة وكل المدرسات والمشرفات والعاملات في المدرسة مجتمعات، إلى جانب أن هذه المهنة توفر مزايا ومنافع أخرى كثيرة لا توفر مهنة التدريس أيًا منها.
وعلى مستوى العالم، فحدث ولا حرج، فكم مطرب، وكم راقصة، وكم فاشانستا، وكم ممثلة، وكم لاعب كرة قدم، وكم مقدم برامج، أصبحوا في عداد الأثرياء والمليونيرات؛ وقارنهم بعدد الأثرياء والمليونيرات من العلماء أو المخترعين أو المفكرين أو الأدباء.
واذهب إلى أي شارع في أي عاصمة من عواصم العالم واسأل عن أسماء أكبر وأشهر خمسة أو عشرة مطربين أو لاعبي كرة قدم في العالم، وعن أكبر وأشهر خمسة أو عشرة من كبار العلماء أو المخترعين أو المفكرين في العالم؛ فستجد أن القادرين على الإجابة الصحيحة على السؤال الأول أكثر بفارق كبير من القادرين على الإجابة الصحيحة عن السؤال الثاني.
ولتوضيح الصورة أكثر فإن لاعب كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي يلعب مع فريق برشلونة الأسباني يتقاضى أجرًا سنويًا قدره 40 مليون يورو عدًا ونقدًا، وأن اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يلعب مع فريق يوفنتوس الإيطالي يتقاضى أجرًا سنويًا قدره 31 مليون يورو، كذلك الحال بالنسبة للاعب البرازيلي نيمار دا سيلفا لاعب فريق باريس سان جيرمان الفرنسي الذي يتقاضى 30 مليون يورو في العام وغيرهم، بينما القيمة النقدية لجائزة نوبل المشهورة والمرموقة لا تتجاوز مليون يورو فقط، يحصل عليها الفائزون من مختلف دول العالم من الفطاحل والنابغين في العلوم والآداب والطب والاقتصاد والمساهمين في تحقيق السلام، وإذا حصل أكثر من شخص على الجائزة في المجال نفسه يتم تقسيم المبلغ عليهم ولا يشترط أن يقسم بالتساوي، هكذا اختلت الموازين وانقلبت المقاييس والمعايير عند البشر.
هذه ليست محاولة للازدراء أو التقليل من شأن ومكانة وقيمة الفن والرياضة وغيرها من أوجه التفوق والإبداع في مختلف الميادين والمجالات، لكن الحقيقة يجب أن تقال، وهي أن العالم قد أفرط وتمادى في الخلط بين القيم والمعايير وترتيب أولوياتها، ما أدى إلى خلق وتكوين مجتمعات لماعة براقة على السطح أو بالمظهر، لكنها في الجوهر هي خاوية هشة مفرغة من الإيمان ومن روح العطاء الحقيقي ومن مضامين العلم والثقافة والمعرفة، فهل جاء كورونا، ذلك الفيروس الصغير الذي لا يُرى بالعين المجردة، ليصلح مثل هذا الخلل؟
سيتمكن العالم دون أدنى شك، إن عاجلًا أو آجلًا، من الانتصار على فيروس كورونا وهزيمته، وستستيقظ البشرية من غفوتها لتدرك الحاجة إلى العودة إلى المفاهيم والقيم والمعايير والممارسات الرزينة، وسيحافظ العالم على النظام الرأسمالي بعد ترويضه وتقليم أظافره ومخالبه وحقنه بالمزيد من القيم الإنسانية.
وبعد أن ندحر كورونا بإذن الله؛ سنتعلم الدرس ومنه سنستخلص العبر، وسيعود للفن سموه ورونقه وبهاؤه، وستختفي الأفواه النهمة المتطفلة على موائده، وستصبح مدرجات الجامعات أهم من مدرجات ملاعب الكرة وحلبات السباق، ولن يُدفع للاعب كرة قدم 40 أو 31 مليون يورو في السنة، بل إن مثل هذه المبالغ وأضعافها ستُنفق وستدفع للعلماء والأطباء والمعلمين وللعاملين بصمت في مختبرات ومراكز البحوث العلمية، وللعالم أو الطبيب الذي سيكتشف دواء ينقذ به البشرية من جائحة كورونا وغيرها من الأوبئة والأمراض والكوارث التي تُصيب العالم بين الحين والآخر[/size]