العدد 8191 الثلاثاء 13 سبتمبر 2011 الموافق 15 شوال 1432
معالجة ارتفاع الأسعار
د. محمد العسومي
يشكل الارتفاع الكبير في الاسعار على المستوى العالمي، وبالاخص اسعار المواد الغذائية احدى الظواهر الملفتة للنظر في فترة ما بعد الحرب الباردة، علما بان ارتفاع التضخم صفة ملازمة للنظام الاقتصادي، الا ان الزيادات الفترات السابقة تمت بنسب تتناسب وارتفاع المؤشرات الاقتصادية والمعيشية الاخرى، كزيادات الرواتب والاجور وتكاليف المعيشة بوجه عام.
ما يحدث في عالم اليوم صورة مختلفة تماما، ففي السابق كانت البلدان الغنية تستطيع استيعاب معدلات التضخم، بل انها تمكنت من رفع مستويات المعيشة على مدى سنوات طويلة واخضعت معدلات التضخم للرقابة، سواء من خلال متابعة الاسعار او من خلال الادوات المالية والنقدية التي تم تسخيرها لخدمة التنمية.
لقد انتقلت العديد من القطاعات الانتاجية المهمة في العقود الثلاثة الماضية من ملكية الدولة الى ملكية القطاع الخاص في البلدان المتقدمة، وذلك ضمن سياسة الخصخصة التي اتبعت في الغرب، مما ولد تحالفات احتكارية هائلة استطاعت السيطرة على قطاعات واسعة عبر القارات تمكنت من خلالها الهيمنة على مرافق الانتاج والتجارة والتحكم في الاسعار وفرض اسعار مرتفعة لتحقيق ارباح خيالية.
وان كانت اسعار بعض السلع الكمالية يمكن للمستهلك التعامل معها من خلال التقشف او الحد من استهلاكها، فان هناك سلعا لا يمكن الاستغناء عنها، كالمواد الغذائية والادوية والتي ترتفع اسعارها للاسف بمعدلات تفوق غيرها من السلع، وذلك لمعرفة الاحتكارات الاكيدة باستحالة الجوعى والمرضى الاستغناء عنها.
وتزداد المشكلة تعقيدا في البلدان التي تعتمد بصورة شبه كاملة على الواردات في تلبية احتياجاتها من الغذاء والدواء، كالبلدان العربية، اذ ان موجات الغلاء شكلت احد اهم الاسباب التي ادت الى تدهور المستويات المعيشية، وبالتالي تحولها الى احتجاجات في هذه البلدان.
واذا كانت البلدان العربية قد وقفت عاجزة امام ارتفاع الاسعار بسبب تواضع مواردها المالية واعتمدت بصورة اساسية على المساعدات الخارجية، فان دول مجلس التعاون الخليجي بذلت جهودا متواصلة لرفع مستويات المعيشة والحد من التضخم، حيث قامت كل من دولة الامارات والكويت وقطر بزيادة الاجور في وقت سابق، كما فعلت ذلك المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ومملكة البحرين التي اعلنت الشهر الماضي عن زيادات في الاجور بنسبة كبيرة بلغت 37%.
وعلى الرغم من اهمية هذه الزيادات في التخفيف من حدة تأثيرات هذه الظاهرة على مستويات المعيشة، الا ان استمرار ارتفاع الاسعار عالميا يتطلب اجراءات اضافية الى جانب زيادة الرواتب والاجور، كالسماح للجمعيات التعاونية ومراكز التسوق العامة بالاستيراد المباشر لكسر الاحتكار وتنمية دور جمعيات حماية المستهلك للحد من تاثيرات العوامل الداخلية في ارتفاع الاسعار.
وفي هذا الصدد تسعى سلطنة عمان الى سن قانون يمنع المورد من رفع سعر سلعة او خدمة، الا بعد الحصول على موافقة من الهيئة العامة لحماية المستهلك، اذ يترتب على المورد وفق القانون المقترح ان يتقدم بطلب للهيئة لرفع سعر السلعة او الخدمة، على ان يقدم الاسباب التي تبرر الزيادة المقترحة في السعر.
وتكتسي تجربة الكويت في مجال عمل الجمعيات التعاونية اهمية لمثل هذه التوجهات، كما ان تجربة وزارة الاقتصاد في دولة الامارات والخاصة بمراقبة الاسواق اعطت بعض النتائج الايجابية، وبالاخص بعد ان تم فرض غرامات على 200 متجر للبيع في شهر رمضان المبارك بسبب عدم التزامها بالاسعار التي حددتها الوزارة لتشكل خطوة نحو كبح جماح ارتفاع الاسعار.
اما تجربة السعودية والبحرين، فانها تساهم في التخفيف من تاثيرات ارتفاع الاسعار من خلال الدعم المقدم للسلع الاساسية، كالمواد الغذائية والادوية، في الوقت الذي تزيد فيه قطر من حجم الاعانات المقدمة.
من ذلك يمكن القول ان تجارب دول مجلس التعاون تكمل بعضها البعض، الا ان تطبيقها بصورة مجزأة، في الوقت الذي يمكن فيه تنسيق عملية مواجهة ارتفاع الاسعار بشكل جماعي من خلال تبادل التجارب الناجحة وتنسيق الاستيراد المشترك الذي يقتصر في الوقت الحاضر على الارز ليشمل سلعا اخرى ذات اهمية كبيرة للمستهلكين في دول المجلس، كالطحين واللحوم والزيوت والادوية.
ويشكل مثل هذا التوجه اهمية بالغة للتحكم في ارتفاع الاسعار والتخفيف من وطأته على المستهلكين، مما سيساهم في استقرار الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويزيد من استقطاب المزيد من الاستثمارات للاسواق الخليجية من خلال رفع قدراتها التنافسية.