قيم التقدم: الإخلاص فكراً وعملاً
علي حسين عبيد
شبكة النبأ: من القيم الاساسية التي ترتكز عليها أنشطة البناء المجتمعي، قيمة الاخلاص، وهي تعني ببساطة، أن يتم انجاز المطلوب بدقة متناهية، وفقا للمواصفات والشروط التي تؤكد خلق الشيء وصناعته بأعلى المواصفات وأدقها، والاخلاص لا يتعلق بعمليات الانتاج المادية المتنوعة وحدها، بل يشمل ايضا الجانب الفكري والمعنوي والروحي، فعندما يباشر الانسان مثلا بتربية نفسه جيدا، وتعميق الحس الروحي في اعماقه، لابد أن يسعى لتحقيق هذا الهدف الصعب بإخلاص تام، ولابد ايضا الابتعاد عن المنهج التبريري والخداع والتزييف وما شابه، لأن قيمة الاخلاص ينبغي ان تكون مزروعة في سلوك الانسان وفكره وضميره، إذ يكون الانسان نفسه رقيبا على نفسه فكرا وسلوكا.
وقد يرى كثيرون ان مفردة الاخلاص واضحة لا تحتاج الى تقديم الرؤى والطروحات حولها، وهي فعلا واضحة المعنى والاهداف، ولك تبقى هذه القيمة الجوهرية، بحاجة الى النقاش والفهم والنشر بين عامة الناس، وتحويلها من مفهومها البسيط ومعناها المجرد، الى الحيز العملي الدقيق لهذه القيمة، إذ يقول احد الكتاب، يراد من معنى (الإخلاص) في اللغة بقولك ذهبٌ خالص أي خال من الشوائب، ويعني صدق توجه القلب وخلوه من أية شائبة ويزداد في معناه بواقع الحياة بأنه التفاني في الاعمال وإتقانها على أحسن وجه، والعمل من اجل مطلوبية العمل دون النظر الى الثواب والعقاب، ويمكننا وصفه بانه الطريق المستقيم للوصول الى الهدف وهو اقصر الطرق بالحساب الهندسي المتعارف، وتكون تركيبة النفس الذاتية فطريا ميالة لذلك المبدأ من دون النظر الى باقي الأبعاد الأخرى. وجود هذه الصفة في أي ميدان سبب للتقدم والنجاح وعكسه يكون الفشل حتميا، فهو ضد الفساد والتسيب والتساهل والتكاسل والتراخي، ولعل فقدان هذا الشعور في عمل الإنسان جعل دولا كثيرة تعاني من أنواع متعددة من الفشل، سياسي واقتصادي وخدمي وإداري وتعليمي.
من هنا لا ينحصر الاخلاص كمعنى وسلوك وقيمة في حيز معين، أو مجال محدد من مجالات الحياة، بل لهذه القيمة سمة شمولية، إذ لا مناص من التمسك بقيمة الاخلاص في العمل وفي التفكير على نحو عام، وكل يفسر هذه القيمة وفقا لرؤيته وفهمه ومجاله او اختصاصه، فرجل العلم يرى اهمية الاخلاص في التعامل مع العلم نظريا وتطبيقيا، ورجل الدين يرى الاخلاص في القضايا الشرعة وفي العلاقة مع الدين وما شابه، وهكذا يكون لقيمة الاخلاص معنى ودور في بناء المجتمع، وبناء الانسان وفقا لمجال ورؤية الانسان وطبيعة اعماله وافكاره، وفي أي مجال يتحرك وينتج.
وفي جميع الاحوال تتدخل قيمة الاخلاص في جوهر الاشياء، ومن دون اعتماد هذه القيمة في المجالات المتعددة للحياة، يبقى ثمة نقص قائم لابد من اصلاحه، ولابد ان يكون الاخلاص فعليا عميقا صادقا وليس شكليا، او نمطيا، بمعنى يجب ان يدخل الاخلاص في عمل الانسان كقيمة حقيقية وليست شكلية ظاهرية، كما هي الحال في تعامل العرب ومعظم المسلمين ومن بينهم العراقيين، حيث التعامل الشكلي مع قيمة الاخلاص اكثر حضورا و وضوحا في حياة هذه المجتمعات، يقول احد الكتاب في هذا الشأن..في عالمنا العربي عموما والعراق خصوصا ورغم إننا ننتمي الى منظومة قيم متعددة من العقائد الدينية والالتزامات الاجتماعية والثوابت الاخلاقية، الا انها وللاسف لم تستطع لحد الان من دفع اغلبنا الى انتهاج حركة ذات صبغة ونزعة إيثارية في واقع الحياة إلا بنسب ضئيلة، وخضعت اغلب أعمالنا الى نهج قائم على اساس الاطر الشكلية فيما بقي السمو بالاعمال الى افضل مرتبة بعيدا عن حركتنا.
إننا قد ننظر الى هذه القيمة بمنظار سهل ساذج لا يبالي بقدرتها على تحقيق البناء المجتمعي السليم، ولكن في جميع الاحوال تؤكد التجارب الفعلية والمسموعة او المقروءة، أن قيمة الاخلاص لا مناص منها لتحقيق النجاح في أي مجال كان.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/آب/2013 - 6/شوال/1434