قيم التقدم: التعليم بالتربية
علي حسين عبيد
شبكة النبأ: التعليم وسيلة أساسية لتطوير الانسان، هذا أمر متفق عليه بين الجميع، إذ أن جميع الدلائل التاريخية تؤكد على أن البشرية، ما كان لها أن تصل الى ما هي عليه الآن من تطور هائل في المجالات كافة، لو لا أنشطة التعليم المتواصلة، والتي تمّ تناقلها عبر الاجيال، مع الاخذ بعين الاعتبار أن التعليم تربية وتقويم، وانفتاح متواصل لآفاق الفكر وتوسيعه ودفعه الى مديات بعيدة، لا تنحصر بالتعليم الآلي، أو التعليم عبر التلقين الذي لا يسهم في توسيع مدارك الانسان، ولا يحثه على الابتكار والتجديد، إنما تصبح عملية التعليم، حالة معتادة مكررة لا جديد فيها، وبهذا تصبح عملية بليدة لا تقدم أدنى خدمة للفرد أو المجتمع.
لذا تعد قيمة التعليم بالتربية، من أخطر القيم الواجب اتقانها والتمسك بها، كونها لا تكتفي بالتلقين المتشابه، بل دائما تبتكر الجديد، وتحفز العقل على اكتشاف الافضل والمغاير، كي تنفتح الحياة على آفاق متنوعة و واسعة في آن واحد، لذلك هذا النوع من التعليم، الذي يراعي قيمة التربية ينجح دائما، في زرع قيم كثيرة في شخصية الانسان، فضلا عن التمسك بقيمة التعليم نفسها، وفي هذه الحالة يتم اشراك التعليم بالتربية في رفد الانسان بقم اخرى مهمة، تساعد الانسان في بناء نفسه، وتدفعه للاسهام في بناء المجتمع، حيث يتعلم الانسان قيم التعايش والتسامح والتعاون والتكافل، فيصبح في هذه الحالة، ذا شخصية ايجابية متكاملة، قادرة على تقديم العطاء الافضل للذات وللمجتمع.
على خلاف الشخصية التي تعتمد التعليم بالتلقين، فهذه الشخصية ستكون (آلية)، ذات مدارك محدودة، وآفاق مؤطرة برؤية ناقصة، لا تفكر بالجديد او المغاير، ولا تنشغل بالسبل والوسائل التي تشترك في تجديد الحياة وتغييرها نحو الافضل، لذلك نلاحظ ان الشخصيات التي تعتمد التعليم بالتلقين خاملة ومصابة بالعجز، فلا تسهم في رفد المجتمع والذات بالمغاير، في حين أن قيمة التعليم بالتربية تساعد العقل على ابتكار الجديد دائما.
لذلك يؤكد المعنيون أن اهمية قيمة التعليم بالتربية، تكمن في قدرتها على بناء الشخصية المتكاملة، المتعددة الرؤى، الواسعة الآفاق، المنفتحة على جميع الاتجاهات، شخصية لها حضورها الفردي الحاد المؤثر، وفي الوقت نفسه لها فعلها الجمعي المشهود، إذ تسهم مثل هذه الشخصية المتكاملة بصورة منتظمة في تطوير رؤى الآخرين، وتدفعهم نحو التجديد والتغيير دائما، وترفض الثبات أو الوقوع تحت سيطرة التلقين، حيث يصبح الانسان مثل الببغاء، يردد ما يسمعه من الاخرين فقط، ويفكر مثلهم فقط، أما عندما تطالبه بالتفكير الفردي الجديد المغاير المؤثر، فإنه يبقى في حيرة من امره، لأنه لم يتعلم الابتكار والمشاركة والتفاعل بالطريقة اللازمة والصحيحة، ولانه وقع تحت تأثير التعليم الروتيني.
وثمة الكثير من الناس تم حرمانهم من التعليم بالتربية، بسبب تقاعس الجهات المعنية الحكومية او سواها، وقد خسروا فرص الاستفادة من هذه القيمة التي اعتمدتها المجتمعات المتطورة، لكي لا تبقى تراوح في مكانها، حيث الانفتاح والتطور يصبح حالة ملازمة للفرد والمجتمع.
أما كيفية تفعيل قيمة التعليم بالتربية، فإن الامر يعود بالدرجة الاولى الى مؤسسة التعليم الرسمية والاهلية ايضا، فضلا عن المؤسسات المساندة لها، على أن يتم التنبّه الى أن التعليم لم يعد كلاما مكرورا يحفظه الانسان ويعيده ويصقله، ويبقى يردده طيلة حياته، بل التعليم بالتربية، قيمة تدفع المجتمع نحو الابتكار والتقدم المتواصل، عبر التعليم المتحرك المربّي للصغار والكبار على اهمية التجديد، واكتشاف الطرق والسبل التي تجعل من الحياة، ذات آفاق لا محدودة وذات صيغ واشكال فكرية وعملية لا تشبه بعضها البعض، حتى تتعدد الرؤى والافكار والاعمال والسبل، أمام الفرد والمجتمع، لتحقيق درجة مقبولة من التطور تكفل النجاح والاستقرار الدائم للجميع على حد سواء.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/أيلول/2013 - 11/ذو القعدة/1434