اختيار القيادات كأساس لإدارة المستقبل الوطني!!
واحد من أهم أعمدة الجودة الإدارية وأسس إدارة المستقبل الوطني لأي مؤسسة وطنية, بل أهمها على الإطلاق من وجهة نظرنا, هو اختيار القيادات المناسبة في مختلف مجالات وفروع العمل الإداري والقيادة الوطنية, ووضعها في المكان المناسب والسليم لتحقيق الأهداف والطموحات التنموية والنهضوية المستقبلية المأمولة, فوجود الرجل المناسب من حيث امتلاكه لسيرة ذاتية مليئة بالإنجازات الشخصية والوطنية والمؤهلات القيادية والأكاديمية والأخلاقية, بداية من القدرة على الإبداع والتخطيط الاستراتيجي والنظرة المستقبلية والاستشرافية والثقافة العامة ـ والمؤهلات الوطنية كالولاء للوطن ومحبته والإخلاص له, والمؤهلات المهنية والعلمية كالشهادة التخصصية والخبرة الأكاديمية والعملية هي معايير رئيسية لا يجب التهاون بها أو إهمالها لتأثيرها سلبا أو إيجابا على جودة العمل الوطني وبالتالي مستقبل الوطن واستقراره وأمنه وتقدم نهضته.
وبمعنى آخر، إن وجود أفراد من أبناء الوطن أو حتى وافدين غير مناسبين في أماكن ومؤسسات وطنية بسبب عدم امتلاكهم لسيرة ذاتية مناسبة تؤهلهم وتدعم ترشيحهم لتلك المناصب والأماكن القيادية الوطنية ذات الطبيعة التخطيطية بشقيها الاستراتيجي أو التكتيكي أو الإدارية منها باختلاف أهميتها ومستوياتها وقطاعاتها وتوجهاتها, أو بسبب وضعهم في أماكن لا تتناسب وقدراتهم أو مؤهلاتهم هو جريمة وطنية لا تغتفر, وتدمير ذاتي لمستقبل البلد وسبب من أسباب تخلفه وضعف تنميته، وجزء لا يتجزأ من امتدادات الفساد الإداري، وضياع وهدر غير مقبول لثروات الوطن ومقدراته "لا قدر الله".
ولهذا فقد كان من الاستراتيجيات التي تعمل عليها إدارة الموارد البشرية وجودتها, استراتيجية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب للوصول إلى الهدف المنشود بأسرع وقت وأقل مجهود وبجودة عالية، فلا يجوز على سبيل المثال لا الحصر اختيار فرد من الأفراد لديه مؤهل علمي تخصصي مهما بلغ مستواه الأكاديمي في الزراعة أو التجارة لإدارة مؤسسة رياضية أو تربوية, أو مؤهل تربوي لإدارة مؤسسة زراعية, أو مؤهل في التربة أو البيطرة أو علم الحيوان أو النبات لإدارة مؤسسة تدير خدمة اجتماعية مدنية أو عسكرية أو موارد بشرية لا شأن لها من قريب أو بعيد بذلك التخصص الذي يملكه ذلك الشخص, كما لا يمكن القبول لا من حيث المنطق ولا العقل ولا الحكمة، ولا الولاء الوطني بوضع شخصية أو فرد لمجرد انتماء قبلي أو ولاء شخصي أو كمكافأة أو منحة, فالوطن وثرواته ومقدراته ومستقبله فوق كل الاعتبارات والاستثناءات القبلية أو الولاءات الشخصية.
أمر آخر يجب الانتباه إليه جيدا, وهو أمر في غاية الخطورة والأهمية القصوى, ونقصد مؤسسات ومراكز ومجالس التخطيط الوطني في مختلف مجالاتها وفروعها وتوجهاتها المدنية أو العسكرية, والتي تعمل في الأصل على التخطيط المستقبلي ورسم السياسات الاستراتيجية الوطنية, وهي تختلف بشكل كامل وكلي عن تلك المؤسسات الإدارية أو الخدمية, حيث يجب أن ترتكز؛ أي تلك المؤسسات الاستراتيجية والتخطيطية على أساس التنوع المهني والأكاديمي, بحيث يجب أن يتم اختيار الأفراد والقيادات التي ستنتسب إليها على أسس بالغة الدقة والجودة والموضوعية والمهنية والتنوع, ويجب أن تقسم إلى فئتين: أولاهما: فئة المتخصصين. والثانية: فئة المبدعين, بحيث تعزز تلك المراكز بأفراد لهم ملكات ومميزات خاصة جدا, أكان ذلك من حيث التخصص أو من حيث القدرة على الإبداع والاستشراف والتخطيط المستقبلي, فليس بالضرورة أن يكون الأكاديمي أو التخصصي قادرا على القيادة والتخطيط ورسم السياسات, وهو عكس المبدع والاستراتيجي وصاحب النظرة المستقبلية الذي يملك صفات القيادة، ولكنه يحتاج إلى عون المتخصص, وهو ما يجب أن نعيه وندركه في اختيار القيادات ووضعها في الأماكن المناسبة لها.
(فقد بينت التجارب الكثيرة في المنظمات أن العديد من الانتكاسات والمشاكل في العمل كان سببها سوء إدارة العمل وضعف القرار المتخذ، وعدم الخبرة في التعامل مع الآخرين مهما كانت صفاتهم, وهذا الأمر لا يعود إلى وجود مشكلة أو خلل في الوظيفة أو العمل فحسب، بل لأن هناك خللا في عدم قدرة من يديرها ويتحمل مسؤوليتها, فتطبيق قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب لا تشمل فقط المناصب العليا القيادية في المنظمات، بل إنها تتوافق مع كل مستويات الوظائف الموجودة، فإن تنظيم هيكل الوظائف يعتمد على وجود مواصفات فنية أو مهارية أو علمية لكل مستوى من هذه الوظائف تعتمد بالأساس على نوع المورد البشري المؤهل لشغل المسؤولية في كل واحدة من هذه الوظائف).
عليه فإننا ومن باب الأمانة الوطنية أولا, والأخلاقية والمهنية ثانيا, أن نذكر كل من قدر له أو سيقدر له في يوم من الأيام أن يكون في موضع المسؤول عن اختيار القيادات الوطنية بشقيها الاستراتيجي التخطيطي أو الإداري الخدمي أن يتقي الله ويخافه عند اختيار تلك القيادات, وأن يحرص كل الحرص على اختيار الأنسب منها والأحق والأجدر والأنسب للمكان المناسب, لأنه سيحاسب على ذلك عندما يقف أمام الله عز وجل, وسيحاسب أمام التاريخ والأجيال القادمة عن ذلك الاختيار, فلا تكونوا سبة الدهر وممن ستلعنهم الأجيال القادمة على ما اقترفته أيديهم في حق هذا الوطن ومقدراته وثرواته ومستقبله.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية رئيس تحرير مجلة السياسي
المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية
تويتر MSHD999@