الثورة التونسية: الأسباب.. القيادات... الرهانات...
تتعدد القراءات التحليلية للثورة التونسية وتختلف وجهات النظر إزاءها لكن تكاد تجمع حول انطلاقتها اللامألوفة حين أقدم البوعزيزي على حرق نفسه وتطورها الدراماتيكي وارتفاع سقف المطالب فيها بشكل سريع لم يكن يتوقعه أحد فمن مجرد تقديم شكوى واحتجاج على مفتشة التراتيب البلدية التي صفعت البوعزيزي إلى المطالبة بحق الشباب وخاصة الجامعيين في العمل إلى الاحتجاج على التفاوت في التنمية بين مناطق البلاد ثم إلى الاحتجاج على الظلم والفساد المتمثل في عائلة الرئيس وزوجته خاصة ومن تواطأ معهما من كبار رجال الأعمال، ثم نادى الجميع برحيل بن علي الذي سمح لهذه العصابات بالظلم والجور في البلاد وتبعت هذه الخطوة التاريخية المطالبة المتواصلة باستقالة كل وزراء الحكومة السابقة لتصل أخيراً إلى حل حزب التجمع الدستوري الذي عانى منه التونسيون الأمرّين خلال أكثر من عقدين من الزمان.لكن في هذا وذاك ما الأسباب وأين القيادات وما التحديات والرهانات؟
أسئلة كثيرة يطرحه الشارع العربي نحاول المساهمة في الإجابة عنها في الأسباب:
وأبرزها التنمية المختلة بين الجهات والتفاوت في المشاريع الاقتصادية الكبرى بين مناطق البلاد حيث استقطب الساحل الشرقي والشمال أبرز المشاريع وفرص التوظيف في حين تمّ تهميش وسط البلاد وغربها وجنوبها، كذلك التعويل في الاقتصاد على القطاعات الهشة مثل السياحة، في حين كانت البلاد تعوّل على القطاع الفلاحي بنسبة كبيرة جداً، أضف إلى ذلك عدم التوازن بين الفئات الاجتماعية حيث برزت طبقة من الأثرياء جداً لا تتجاوز 5 في المئة وغالبية الشعب من الطبقة المتوسطة أو المعدومة. تلك الفئة المتغطرسة بالمال والسلطة غدت تتحكم في مواطن الشغل حتى في الوظائف الحكومية، مما جعل المحسوبية والرشوة تستشري في البلاد من أجل الحصول على موطن شغل، وتفاقمت بذلك البطالة مع تعاظم عدد الخرجين وتخلي الدولة نسبياً عن توظيف الخريجين بحجة الخصخصة .
أما القرار الأخير بتمديد فترة العمل وتأجيل سنّ التقاعد إلى 65 سنة فقد زاد من حدة الغليان الشعبي ففي حين كانت تنادي النقابات في بعض المهن إلى تقليص سن التقاعد إلى 55 سنة صدر في الصيف الماضي قانون تأجيل سن التقاعد مما يؤخر خروج عدد كبير من الموظفين واستبدالهم بفئة العاطلين.
كذلك ما أظهره موقع وكيليكس من وثائق عن الفساد في البر والبحر وخاصة من قبل آل الطرابلسي أو ابن علي ومن لفّ في ركبهم وقد سبق ذلك بكتاب حاكمة قرطاج للصحافية الفرنسية والممنوع في تونس آنذاك.
كذلك يمكن الحديث عن أسباب عميقة تميز المجتمع التونسي اجتماعياً وسياسياً من ذلك الوحدة الوطنية بين أفراد الشعب وعدم وجود الفرق أو الطوائف بالمعنى المذهبي الضيق وبالتالي الطابع غير الإيديولوجي لهذه الثورة، فضلا عن ضعف الدور السياسي للأحزاب المعترف بها لأنها تقريبا كانت تأتمر بأوامر السلطة البائدة والحزب الحاكم آنذاك. وهو ما جعل الثورة تتميز بطابع غير إيديولوجي وبانعدام الحسابات الضيقة بين التكتلات السياسية كما نشهده اليوم في لبنان أو فلسطين مثلا.
وأخيراً، وليس آخراً القاعدة العريضة من الشباب المتعلم الواعي المثقف ثقافة حقوقية عبر المناهج المدرسية بدءاً بحقوق الطفل وصولا إلى حقوق الإنسان، مرورا بحقوق المرأة... أشياء يدرسها يومياً في مختلف مراحل التعلم لكنه لا يكاد يرى سوى الانتهاك لها من قبل نظام الرئيس المخلوع. وقد ساعد على تشكيل الرأي العام في خضم هذه المتغيرات المواقع الاجتماعية عبر شبكة «النت» وهو دور لا يخفى على أحد قيمته في تسريع التواصل والاتفاق بين أفراد الشعب وخاصة جيل الشباب على رغم التضييق المفروض على الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة.
هذه جملة من الأسباب فماذا عن القيادات؟
يتبع
سليم مصطفى بودبوس
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3063 - الثلثاء 25 يناير 2011م الموافق 20 صفر 1432هـ