وَهْم الفوز بالفردوس دون نية وعمل
ليس من أمة سوى أمة العرب أصبحت مشاعًا تلعب بها الأهواء والأطماع، حتى أصبحت الشعوب فيها تحرك بـ(الريموت كنترول) من الداخل أو من الخارج، وذلك حسب الأهواء السياسية، فتغلف أحيانا هذه الأهواء بعباءة الدين، وأحيانا أخرى بالمذهبية والطائفية، حتى وإن لم يكن صاحب المصلحة ذا دين أو عقيدة، فإنه يجد من يؤلف له المهمة التي توكل إليه، فقط أن يوهمهم أنه يقوم بإنجاز عمل تاريخي، وأن أبواب الجنة قد شرعت له بقول دون عمل، سوى ذلك العمل الأخير الذي إن أتمه وجد نفسه بين الحور الحسان، بناء على زعم ممن أفتاه دون أن يأخذ عهدًا من الله بذلك.
إن القتل والتدمير الذي يحدث في بلاد المسلمين، هدفه المعلن هو فعل الخير، وإجبار الناس على دخول الإسلام طوعا أو كراهية، حتى وإن كانوا مسلمين مؤمنين بربهم، فبعض الاختلاف يكفي لهلاكهم، ولا شك أن هناك من بين القتلى مسلمين بالولادة، فالقائم بالمهمة لديه يقينا أن القاتل والمقتول في الجنة، عدا أولئك الذي قرر القاتل أو مرسله، بأنهم ليسوا من أهل الجنة، فيا سبحان من أين جيء بهذه الشريعة الجديدة، وهي ولا ريب تخالف دين الإسلام، الذي حرم قتل النفس بغير حق، ويثبت هذا الحق من قبل محكمة معتمدة، وبحكم متدرج المراتب والمحاكم، وممحص من قبل تقاة عارفين بعلوم الشرع.
إن الإسلام لم يكن ليقوم على العنف مطلقا، ومن لديه شك .. فعليه العودة إلى القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة الصحيحة، وسؤال أهل الذكر، فلن يجد فيه إلا الرحمة والعاطفة، والخلق العظيم، وقد وصف الله نبيه المصطفى في القرآن بقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم (4) ولم يقل عنه .. وإنك على بطش عظيم، وذكَّره في موضع آخر بقوله جل وعلا: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران (159).
إذن الإسلام عمل طيب، والإسلام خلق ومودة، والإسلام حسن معاملة، والإسلام أمانة وصدق، والإسلام تسامح ومحبة، فمن خرج على هذه القيم، إنما هو ضد الإسلام، ومنفر البشرية بإرهابه وظلمه، والمسلمون اليوم هم الأضعف بين أمم الأرض، فليس هناك من يخافهم ليضطر ـ حتى يقي نفسه من بطشهم ـ فيدخل الإسلام مجبرًا، وأما القتل والتفجيرات التي تعيث في أرض المسلمين فسادا وتدميرا، ما هي إلا تصديقًا لأعداء الإسلام، بأنه دين إرهاب وقتل، وحاشا الإسلام أن يكون كذلك، وخسئ أعداء الإسلام وأعوانهم بكذبهم عليه.
إن الأرض لم تخل من المؤمنين المخلصين، فيكفي أن ترى المسلم الذي لا يهدر دمًا بغير حق، وأن ترى المسلم الذي يبلغك مأمنك دون أذى، أكنت أخاه في الإسلام، أو صديقه في الإنسانية، وأنه ليجبرك على دخول الإسلام، بما يأسرك به من حسن المعاملة، ولطف المعشر، فهنيئا لمن استطاع أن يسلب الألباب إلى قلبه، ويغري الناس بالإسلام بحسن خلقه، ويحيطهم برعايته وأمانته وصدقه، واستطاع أن يخلق من نفسه القدوة الحسنة، ليقتدي به البشر بطيب المعشر، والبعد عن الفجور والشر.
لقد ذاع سيط أهل عُمان بما حباهم الله به من خلق قويم، وحسن المعاملة، فأمسكوا يا أهل عُمان على قيمكم وتقواكم، فإن ركب الخير ينيخ في أرضكم، بعدما أيقن العالم أجمع، إنكم أهل خير ومودة، وحصن أمان ومحبة، فاثبتوا على ما أنتم عليه، ولا تفرقوا فيذهب صمودكم جفاء، ولا تسمعوا للواشي والمحرض، فهناك الأشقياء الذين توغر صدورهم حقدا وحسدا على تآلف قلوبكم، وتعايشكم بسلام بينكم ومع غيركم، فلا تفتحوا لهم بابًا يلج شرهم إليكم، واقتدوا بحكمة جلالة القائد المفدى ـ حفظه الله ورعاه ـ في النأي بالنفس عن كل ما ليس يعني، فنحن أمة مباركة بدعاء رسول الإسلام لأهل عُمان، فلا تخرجوا عن حسن ظن نبيكم فيكم، فتشقوا وتندموا وتذهب ريحكم، فوالله ليس بعد الحق إلا الضلالة، أبعدنا الله عنها.
حمد بن سالم العلوي