من وحي الفوز القطري
نجحت دولة قطر في الفوز باستضافة مونديال العام 2022 في الدوحة، وغمرت الفرحة القطريين، فعانق ولي العهد والدته موزة المسند أمام الملايين، ممن كانوا يتابعون وقائع إعلان ذلك الفوز، ودموع الفرحة تترقرق من عينيه، بينما خرج سكان قطر من مواطنين وقاطنين يعبرون عن ردة فعل فرح عفوي تجاه ما جاءت به النتائج.
العرب، ومن بينهم البحرينيون انقسموا، وبكل وضوح، وفقاً لموقفهم من الفوز القطري، إلى ثلاث فئات واضحة المعالم، وتتميز كل واحدة منها عن الأخرى، على النحو التالي:
1. الفرحون المغتبطون، وهي الفئة التي ارتأت في تجاوز قطر للعقبات ومن بينها فوزها على دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، مكسباً كبيراً للعرب، وخاصة أنها سابقة تستحق أن يؤرخ لها، حيث إن قطر ستكون أول دولة شرق أوسطية، دع عنك عربية، تستضيف حدثاً رياضياً عالمياً بمستوى مباريات كأس العالم لكرة القدم. هذه الفئة، انبنت فرحتها على رؤية قومية قحة، ترى في أي مكسب لأية دولة عربية، مكسباً عاماً لكل العرب وقضاياهم المشتركة.
2. الغابطون المتحسسون، وهي الفئة التي لا تنفي فرحتها لما نالته قطر، لكنها كانت تود لو أنها كانت، بدلاً من أن تكون قطر، من يستحق هذا الفوز. فقطر، من وجهة نظر هؤلاء، دولة عربية صغيرة، لا تملك المقومات السكانية، ولا المناخية، دع عنك البنية التحتية، التي توفر أفضل الفرص لنجاح حدث بمستوى كأس العالم لكرة القدم. وتحاول هذه الفئة أن تبرز السلبيات وتخفي الإيجابيات التي بحوزة قطر، لكنها رغم ذلك لا تنفي فرحتها لما حققته الدوحة، وتؤكد ثقتها في قدرة قطر على تجاوز بعض تلك العقبات، بفضل ما تملكه من وفرة مالية.
3. الحاسدون الغاضبون، ممن رأوا في الانتصار القطري، تحدياً لمشاعرهم، و»إهانة»، لما يعتقدون أن فيه شيئاً من عدم الإنصاف، حين تفوز قطر، ولا تجرؤ دول عربية أخرى، رغم حيازتها على مواصفات تتجاوز بكثير ما لدى قطر، حتى على التقدم لعرض رغبتها في الاستضافة. وغالباً ما «يجتر» المنتسبون لهذه الفئة مقولات، أكل عليها الدهر وشرب، مثل «قطر دولة حديثة ليس لديها ما يمكن أن تقدمه أكثر من سيولتها النقدية التي تمدها بها سيولتها الغازية».
بغض النظر عن مواقف تلك القوى، ينبغي الاعتراف، بأن ما حققته قطر كان إنجازاً عالميا بكل المقاييس، سواء قبل بذلك الآخرون، أم رفضوه، بمن فيهم الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي لم يستطع أن يكظم غيظه أو حسده، فاعتبر، في ردة فعل، تلقائية، لا تليق برئيس دولة عظمى بمستوى الولايات المتحدة، قرار الفيفا بأنه «قرار خاطئ»، ورأى فيما ذهبت إليه الفيفا شيئاً من الإجحاف بحق دولة كبيرة تخسر مثل الولايات المتحدة، مقارنة مع فوز دولة صغيرة من حجم قطر.
وإذا ما نظرنا بموضوعية لما حققته قطر، سواء لنفسها كدولة صغيرة، أو للمجموعة الخليجية كإقليم، أو للعرب كأمة، لوجدنا أنه إنجاز ينبغي رؤيته من زاوية أساسية واحدة، وهي أن هذا الفوز، يعني سياسياً، قبل أن يكون المعنى رياضياً، هو أن زمن سيطرة الدول العظمى على مقدرات الأحداث العالمية قد ولى، فلم يعد من حق أو حتى في وسع الدول العظمى أن تسير المنظمات العالمية، كما تشاء، وبما يحقق مصالحها الأنانية الذاتية.
تماماً كما برزت نور الشرق الأجنبي من دول صغيرة بحجم سنغافورا وماليزيا وهونغ كونغ كي تضع بصماتها على خارطة الاقتصاد العالمي، ونجحت تلك الدول حينها في تجاوز العقبات التي وضعتها الدول المتقدمة في طريقها، والإفلات من المؤامرات والإفلات من تلك المؤامرات التي حاكتها تلك الدول ضدها، كذلك قطر اليوم، تضع تصريحات الرئيس الأميركي، وآخرين غيره وراء ظهرها، وتتقدم بكل ثقة كي تترشح لاستضافة مباريات كاس العالم وتفوز بها رغم إرادة ومؤامرات دول من مستوى الولايات المتحدة.
لاشك أن فاتورة الفوز القطري كانت باهضة، ومن الطبيعي أن ثمن التحالفات التي نسجتها قطر، من أجل ضمان الفوز، كان أعلى من ذلك الذي يمكن أن تدفعه دول أخرى مثل الولايات المتحدة أو أستراليا. لكن المهم من ذلك كله هو أن قطر نجحت، شاء الحاسدون أم رفضوا، في أن تضع الدوحة على خارطة عالم الرياضة الدولية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تحقق فيها قطر مثل هذا الإنجاز، فهناك أيضاً سابقة قطرية في هذا الاتجاه. لن نحصر أنفسنا في عالم الرياضة، فنستحضر الدورة الآسيوية «آسيان 2006»، التي استضافتها الدوحة قبل عدة سنوات، وسنخرج عن ذلك المحيط، إلى ما هو أكثر رحابة، وهو الإعلام المرئي، فقد شكل انطلاق قناة «الجزيرة» من الدوحة سابقة إعلامية عالمية لا ينبغي الاستهانة بها، ونجحت قناة الجزيرة رغم خبرتها المتواضعة، في بداياتها الأولى، أن تنافس قنوات عالمية عريقة من أمثال الـ «سي إن إن»، والـ «بي بي سي»، بل لقد ذهب البعض في هذه المقارنة الإعلامية إلى مستوى القول، إنه إذا كانت الـ «سي إن إن» كانت قناة حرب العراق والكويت في التسعينيات، ودون منازع، فإن قناة «الجزيرة»، وباعتراف مؤسسات إعلامية دولية مستقلة، كانت نجم التغطية الإعلامية للحروب التي تلتها في كل من أفغانستان والعراق وغزة، وحرب يوليو/ تموز الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.
أبعد من ذلك أصبح البعض يؤرخ للقنوات العربية، بمرحلة ما قبل عصر قناة «الجزيرة» والمرحلة التي تليها، حيث يعتبر أن قناة «الجزيرة»، ومن خلال البرامج التي أطلقتها مثل «الرأي المعاكس» حركت المياه الآسنة التي كانت تحكم تغطيات المؤسسات الإعلامية العربية بما فيها القنوات الفضائية.
شيء آخر يجب أن يحركه الفوز العربي، وهو أن هناك ما لا يقل عن 100 مليار دولار، كما قدر من قبل العديد من المؤسسات المتابعة لذلك الحدث، سوف تصرف على الاستعدادات لهذه المناسبة، والذكي هو الذي، وبدلا من اجترار مقولات ليست ذات جدوى، يفكر جدياً في مدى الاستفادة التي يمكن تحقيقها من وراء ذلك الحدث، ولعل الجسر المزمع بناؤه بين البحرين وقطر أحد هذه المشروعات التي تستحق التفكير الناضج في هذا الاتجاه
عبيدلي العبيدلي
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3012 - الأحد 05 ديسمبر 2010م الموافق 29 ذي الحجة 1431هـ