يوميات مواطن مرهق: الطماطم!
كان المواطن المرهق متحمساً جداً جداً للمشاركة في الانتخابات منذ انطلاق دورتها الأولى في العام 2002، فقد كانت الآمال والطموحات تملأ رأسه وصدره حاله حال مئات الآلاف من المواطنين الذين وجدوا في إعادة الحياة النيابية أملاً في تحسين معيشة المواطنين والإسهام في تطوير البلد، وبقي على حماسه ذاته وشارك أيضاً في انتخابات 2006 لأنه كان يمني النفس بإنجازات تلامس حياته اليومية ولا بأس من الصبر لحين نضج التجربة.
وعلى رغم أنه بدأ يشعر بالكثير من الإحباط بسبب تحول العمل البرلماني في كثير من الأحيان الى ساحة اقتتال طائفي حيناً وفئوي حيناً آخر، إلا أنه حدث نفسه قائلاً: «رويداً رويداً ستنضج التجربة... وسنجني كمواطنين ما أملناه من نواب الشعب... حتى لو لكم أحدهم الآخر (بكساً) على وجهه، أو وقف آخر ضد ما يطمح إليه الشعب وكأنه مدافع عن الحكومة، وقرر ثالث أن يبقى ساكتاً ولا يهمه إن أطلق عليه الناس لقب (سعادة النائم)، فيما رابع يصرخ في وجه الوزراء أثناء الجلسة، ويلاحقهم خارجها ليقدم الرسائل وفيها ما فيها»، فالمواطن المرهق كان إلى قبل حين، يدرك بأن البرلمان هو بيت الشعب، وأن الدولة لن تقصر لا مع النواب ولا مع المواطنين، وإذا كان أداء بعض النواب سيئاً، فالعتب على المواطنين الذين أوصلوهم إلى قبة البرلمان ثم غسلوا ايديهم منهم، ولابد من المشاركة وإيصال النواب الأكفاء في انتخابات 2010.
ها هو اليوم يراقب المشهد عن كثب فقد اقترب موعد الانتخابات العامة، لكنه شعر بالكثير من القلق والخوف وحالة من اليأس التي حاول التغلب عليها بلعن الشيطان الرجيم، وخصوصاً حين يقطع الشوارع فيقرأ إعلانات من قبيل: «صوتك لنا كلنا»... و»حتى نصل للوضع الأفضل... انتخب الأفضل» وما شابهها، وحرص على قراءة الصحف لتصدمه أخبار القتال الذي بدأ مبكراً بتمزيق إعلانات مرشحين وحرق خيام والأشد من ذلك، أنه كان يسمع أيضاً عن بدء (التنافس الشريف) من خلال توزيع الهدايا والأعطيات والرشا والثلاجات والخرفان.
ذات مساء، جلس المواطن المرهق مع صاحبه المواطن المرهق الآخر، فراح الأخير يقرأ له خبراً نشرته الصحافة محاولاً طمأنة صاحبه: «اسمع اسمع يا خوك... أكد قضاة اللجنة العليا للإشراف العام على سلامة الانتخابات، بأن القانون حظر تقديم كافة أشكال الهدايا والمساعدات النقدية أو العينية في إطار ممارسة الدعاية الانتخابية، مطالبين كل من يدعي امتلاكه وقائع وأدلة تشير إلى وجود (رشا انتخابية) تقديمها إلى اللجنة العليا، وشدد قضاة اللجنة العليا بأن (الرشا الانتخابية) تعد جريمة يعاقب عليها القانون، مؤكدين أنه متى ما تبين ارتكاب أي شخص لتلك الجريمة فإنها ستحيل الأمر إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة»... تنفس قليلاً ثم قال: «أشوى... طمنتني الله يطمن قلبك... ترى الأمل في المرشحين المخلصين الذين يجب أن يصلوا إلى البرلمان فيحملون همومنا ويهتمون بمصالحنا».
لكن المواطن المرهق لم يتردد في أن يسأل صاحبه سؤالاً مهماً بالنسبة له وللغالبية من ذوي الدخل المحدود من المواطنين قبل أن ينهيا السهرة: «لكن يا خوك... سعر الطماطم وصل إلى دينار واحد... تراجع قليلاً إلى 700 فلس، هل تعتقد أن البرلمان القادم سيناقش هذا الملف الخطير؟»
ذهب كل منهما إلى منزله، وفي رأسيهما أمور أهم بكثير من سعر الطماطم.
سعيد محمد
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2953 - الخميس 07 أكتوبر 2010م الموافق 28 شوال 1431هـ