هل القضاء العدلي دائماً نزيه ومنزه؟
- [ltr][/ltr]
- [ltr]علي محسن الورقاء ... -[/ltr]
- [ltr]comments [at] alwasatnews.com[/ltr]
تصغير الخطتكبير الخط
النزاهة تحتمل عدة وجوه ولها درجات، منها: نزاهةٌ تعني «العِصْمة». ونزاهةٌ تعني التجَرّد من الخطيئة والخطأ والزّلة. ونزاهةٌ تعني العِفَّة والبُعد عن كل ما هو سيئ وقبيح.
فالأولى: (العِصْمة) ملكةٌ إلهية تمنع من فعل أية معصية أو الميل إليها مع القُدرة عليها. والمعصومُ عنده المُعجِزة والدليل، وله نورٌ مُتجسِّد وجَسدٌ متنوِّر، ومُتَرّفِعٌ عن حدود الماديات.
والثانية قرينة الأولى؛ فهي نورٌ إلهي يُودع في النفس وفي العقل البشري فيعصمهما من الخطيئة والخطأ والزلل. ومَنْ هو في هذه المرتبة أو تلك إنسان يتمتع ببصيرة عالية وإيمان يُزيلُ الحُجُب، ومِنْ أوصاف هذا الإنسان أنه «البصير» و «السراج»، كما جاء في قوله تعالى: «واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار» (سورة ص، 45). وقوله تعالى «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً» (الأحزاب، 45).
والسر في «النورانية» و «البصيرة» أنهما فضيلتان تُستمدان من نور الله، ومنهما جاءت العِصْمة وانطوى سر المُعجزة والمعرفة الغيبية والهداية. وهذه المرتبة أو تلك تصيب من يخصهم الله سبحانه وتعالى بها لمن يشاء من عباده كالأنبياء والأولياء.
أما الثالثة فهي وجهٌ من وجوه الأخلاق والطُهر ودرجةٌ من درجات الكمال تُكتسب بفضل حسن التربية والتعليم والبيئة الحسنة، وهذه تتصف بالتفاوت والنسبية نظراً لاختلاف الناس في الطبائع والأمزجة والإحساس والشعور والعاطفة وتقدير الأمور، وكذلك لاختلاف الوسط الاجتماعي والعقيدة والدين واختلاف درجة التديُن.
وحيث اننا في هذا المقام نتحدث عن القَضاء العدلي، فنعني بذلك القُضاة العدليين. وبما أن القُضاة العدليين هم كسائر البشر العاديين فلا يمكن أن نضعهم في درجة العِصمة، أو أنْ ننزههم عن العيب والخطيئة والزلل، فَجَّلَ من لا يخطئ إلاّ من عصمه الله سبحانه. ولهذا تبقى لهم النزاهة في حدود الدرجة الثالثة على النحو المتقدم فقط.
وحيث ان القُضاةَ بشرٌ متفاوتون كما قلنا في الطبائع والأمزجة والإحساس والشعور والعاطفة وفي تقدير الأمور، وكذلك التفاوت في العلم والمعرفة، فلا تثريب إنْ رأينا التفاوت في أحكامهم بين الشدة واللين أو الوسطية، أو إنْ رأينا التناقض في أحكامهم. فلو لم يكن ذلك لما شرَّع القانون حق الطعن في الأحكام القضائية.
إنما نحن إلى هذا الحد لانزال بعيدين عن مفهوم «النزاهة» طالما أننا لم نُلامس بعد «عدم النزاهة» في أعمال القَضاء.
ولكي نعرف هل أن القَضاء العدلي دائماً منزه ونزيه، علينا أن نعرف بدايةً هل أنه لا يوجد أدنى انحراف في أعمال القَضاء، وهل أن القُضاةَ أولو طُهرٍ لا تشيبهم شائبة. هذا ما سنتعرف عليه في وقت لاحق.
ولكن علينا قبل ذلك أن نُذكِّر أنه عندما تَغلُب على القاضي عاطفته (الإنسانية) أو يخطئ في التقدير فليس هذا من باب الانحراف أو عدم النزاهة، طالما أن حُكمَه أو سلوكه لم يكن قائماً على أمر سيئ وقبيح. أما إذا تبين منه ذلك كان هذا خلاف النزاهة، وهذا هو ما نعنيه ونقف عنده في هذه المقالة في اختصار شديد وبكل شفافية.
فهنا نسمع بين الفينة والأخرى أنه ممنوع أن تتكلم على القضاء بما يمس «سمعته»، وممنوع أن تشير بإصبع الاتهام إلى قاضٍ معين بعيب من العيوب، كأن تصفه بأنه غير مقتدر، أو غير حكيم، أو متعالٍ، أو أحمق، إلى غير ذلك من الصفات الإنسانية. وأنه لا يجوز الشك أو الاعتراض على ما يدونه القاضي بمحاضر الجلسات وإنْ كان مخالفاً للحقيقة والواقع.
وهنا نسأل: كيف يكون ذلك ممنوعاً أو غير جائز ونحن نؤمن بأن القاضي ليس ببشير، وغير نوراني، وغير معصوم، وغير مُترفِّع عن حدود الماديات، وأنه لا ينطق أو يفعل عن وحي يوحى.
ثم انه إذا كان هذا ممنوعاً أو غير جائز فكيف نُصلح من عورة القَضاء؟ وكيف نصل إلى درجة النضج والكمال المطلوب على الأقل؟ وأين هي الشفافية التي ينادون بها والديمقراطية التي ينشدونها؟
إذاً ليس بحق أن نعطي القاضي حصانةً تُحصِّنه من النقد والذم، أو أن نرفعه إلى منزلة الأولياء والأوصياء. وليس بحق أن ننزهه من العيب والشطط والانحراف طالما كان منحرفاً أو كان سلوكه معيباً وسيئاً وقبيحاً.
هذه ليست النهاية، وسنُكمل القضية بشيء من التفصيل في مقال لاحق وبعنوان آخر.
وحتى ذلك الوقت سنظل نسأل «هل القضاء العدلي دائماً نزيه ومنزه؟».
علي محسن الورقاء
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4061 - الأحد 20 أكتوبر 2013م الموافق 15 ذي الحجة 1434هـ