اصداف
مصر في مواجهة مياهها
تُعد مصر بلدا جافا جداً وذا أراض وموارد مياه محدودة، ويزرع أقل من 3% من الأراضي الزراعية بسبب نقص المياه ويعتبر النيل هو الشريان الأساسي الذي يمد البلد بأسباب الحياة، ويرى (Alain Marcoux) أن المياه المتوفرة قد تم استغلالها بالكامل للأغراض الزراعية والاحتياجات الأخرى، وتؤثر ملوحة المياه وعسرتها على انتاجية الأرض الزراعية وتواجه الطبقات الصخرية المائية خطر الملوحة والتلوث.
وسيكون موضوع الصراع في إفريقيا في الـ 20 سنة القادمة حول أثمن السلع وأقيمها ـ المياه ـ لأن الدول سوف تحارب من أجل حرية استعمال المصادر المائية وطبقاً لتقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة (U N D P ) فإن احتمال نشوب الحروب حول المياه تكون أكثر في المناطق التي تكون فيها أنهار وبحيرات تشترك في أكثر من دولة ومن المناطق التي تشهد توتراً في هذه المسألة حوض النيل. ويقول التقرير إنه بحلول سنة 2025 سينظم (12) بلداً افريقيًّا إلى الـ (13) بلداً التي تعاني مسبقاً من ندرة المياه.
ويرى المدير التنفيذي في معهد (World Watch) لأبحاث البيئة (Lester Brawn) أن ندرة المياه هي الآن التهديد الوحيد الكبير الذي واجه الأمن الغذائي العالمي وقال إنه اذا ارتفع عدد سكان الدول الثلاث التي يمر فيها النيل (مصر، السودان، اثيوبيا) وكما متوقع من (150) مليونا إلى (340) مليونا في سنة 2025 حينها ستواجه هذه الدول منافسة شديدة ومتزايدة على مصادر المياه المحدودة.
أما بخصوص علاقات إسرائيل مع اثيوبيا، فيقول د.محمد السامرائي إن هاتين الدولتين ترتبطان بعلاقات وطيدة وفريدة حيث تولي إسرائيل اهتماماً لكي لا يكون البحر الاحمر بحراً عربيًّا فقط، وبذلك فإنها تساعد اثيوبيا بكل السبل الممكنة بما في ذلك تنمية مواردها المائية وتقديم مساعدات تقنية لاستغلال مياة النيل. وقد تمثل هذا في متابعة الخبراء المائيين الإسرائيليين عملية المسح الجيولوجي الأميركية للهضبة الاثيوبية التي تم اختيارها لإنشاء عدد من السدود على منابع نهر النيل.
واقامت إسرائيل منذ انشائها وحتى عام 1967 أكثر من (110) مزارع في اكثر من (20) دولة افريقية وارسلت أكثر من (1800) خبير للعمل في هذا المجال، كما دربت 60% من مجموع المتدربين الافارقة في الميدان الزراعي في تلك الدول واعطت عناية خاصة لتنظيمات الشبيبة وغطت حوالي (15) دولة افريقية.
ومع نهاية الثمانينات من القرن العشرين، ازداد الاهتمام الإسرائيلي بإثيوبيا، حيث اقامت قواعد عسكرية بحرية مهمة في جزيرتي (حالب وفاطمة) بالقرب من باب المندب، وكان (يهود الفلاشا) على استعدادٍ تام لدعم حكومة اديس ابابا، حيث تعهدت إسرائيل بتدريب في حدود عشرة الاف مقاتل منهم للقيام بهذه المهمة. كما تواصل توافد الخبراء الإسرائيليين في مختلف الاختصاصات على اثيوبيا وفي مقدمة اولئك خبراء المياه.
ولم ينقطع اهتمام إسرائيل باثيوبيا، بل استمر وبقي منهجاً ثابتاً في الاستراتيجية الإسرائيلية، وعبر عن مضامين ذلك اغلب الكتاب الإسرائيليين الذين تناولوا هذا الموضوع، وعلى صعيد الاشارة لهذا الاتجاه يؤكد المقال الذي نشره (موشيه كومل) في صحيفة يديعوت احرنوت وجاء فيه: أن الخطوط الملاحية في الجنوب قد تكون أكثر ضماناً لإسرائيل اذا لم يقع البحر الأحمر تحت سيطرة عربية كاملة، وأن كان به مركز قوي لاثيوبيا المسيحية المستقلة الصديقة.
ولأن اثيوبيا دولة فقيرة ولا يمكنها تمويل مشاريع كبيرة من مواردها الخاصة، ولا تتمكن من تأمين تمويل دولي دون موافقة مصر والسودان، تصبح بمنأى عن تشكيل خطر أو تهديد مباشر في المجال المائي على الدولتين العربيتين، إلا اذا تحالفت مع قوى اخرى معنية بالتأثير على الدولتين، وهي هنا إسرائيل، خاصة وأن إسرائيل ترتبط بعلاقات مع اثيوبيا وترسل الخبراء والمهندسين في مجال الري والمياه لإقامة المشاريع المائية والسدود على منابع النيل في اثيوبيا للحد من تدفق المياه الى مصر والسودان، واستخدام مياه النيل وسيلة ضغط على مصر لإجبارها على ضخ المياه الى إسرائيل.
وليد الزبيدي* كاتب عراقي