ثقافة الكراهية... ثقافة الانتحار
- [ltr][/ltr]
- [ltr]قاسم حسين ... كاتب بحريني[/ltr]
- [ltr]Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com[/ltr]
تصغير الخطتكبير الخط
تبدأ ثقافة الكراهية من الاستهانة بالآخر، والاستخفاف بوجوده، والتفريط بحقوقه، وتنتهي بالتطاول عليه حتى سلبه الحقّ في الحياة.
هكذا سارت المجتمعات المريضة الأخرى في القرون الماضية، وأخذنا نتلمس خطاها ونعيد اقتراف أخطائها، حذو القذة بالقذة، ونحن في مطالع القرن الحادي والعشرين.
تبدأ بذور الكراهية حين أسمح لطفلي بالسخرية من طفلٍ في مثل سنه، فقط لأن بشرته سوداء، ولا أصوّبه بأننا جميعاً متساوون. وتبدأ البذور بالتبرعم حين أقبل بممارسة الظلم على جاري وشريكي في الوطن، وأستلطف التمييز الواقع ضده ما دام يعود ببعض النفع عليّ، وأنسى أنني بذلك إنما أقبل بأن أكون الضحية التالية للتمييز، فكما تدين تدان.
لم يكن يخطر ببالنا قبل عقدٍ من الزمان، أن يأتي يومٌ نكتب فيه عن موضوع «الكراهية»، في بلدٍ اشتهر أهلُه بالسماحة والطيبة والود. فنحن الذين درسنا في مدارس وكلياتٍ مختلطةٍ في السبعينات، وكلٌّ منا كان له زملاء وأصدقاء من الطائفة الأخرى، نخرج معاً ونذاكر دروسنا في 1980، نجد أنفسنا في ندوةٍ تناقش أسباب شيوع مرض الكراهية في مجتمعنا في 2014، وأجد نفسي عاجزاً عن التفكير وأنا أرقب وأستمع لكل هذا النقاش.
اليوم، نحاول العثور على الأسباب، فيضع بعضنا الملامة على «تويتر»، باعتباره أحد أسباب الكارثة، وننسى أن «تويتر» إنما كشف المخبوء الذي كنا نبذره طوال عقود، حتى جاء وقت هذا الحصاد المر. لقد حوّلنا «تويتر» إلى منصةٍ لإطلاق دعوات الكراهية ضد «الآخر»، الذي تحوّل من أخ وشريك وجار ومواطن، إلى عدو ومشرك ومخالف وخائن. لقد تم تشطير المجتمع لحساباتٍ سياسية، وشطّرنا المجتمع إلى شطرين: شياطين بالمطلق، وشرفاء بالحصر، ونسينا أننا شركاء، وسنبقى ويجب أن نبقى شركاء.
«تويتر» و«فيسبوك»، شأنهما شأن التلفزيون، الذي تحوّل في عصر البث الحر إلى منصات فضائية لإثارة العداء والبغضاء على أوسع نطاق، بين أبناء الأمة الواحدة، وبدل أن تقرّب هذه الفضائيات الدينية، السنية والشيعية، قلوب أمة محمد (ص)، أصبحت توغر الصدور وتشحن النفوس بالكراهية، مستلهمةً الأحداث التاريخية، ضد أبناء المذاهب الأخرى وتسخيفها والحطّ من معتقداتها.
لقد أسأنا كأمّةٍ ميّتةٍ، استخدام آخر إبداعات الحضارة البشرية الحية التي تنتجها، في إثارة أحط الغرائز، من كراهية وأحقاد، حتى أصبح بأسُنا بيننا شديداً. لقد كانت هذه أول الأسباب، وما تلاها كان مجرد نتائج وتداعيات.
إذا أردنا أن نصحّح هذا الانحراف، فلنبدأ أولاً بالاعتراف بالآخر، والإقرار بأننا بشر متساوون. لنا حقوق متساوية. علينا واجبات متماثلة. كلنا مواطنون، ولكل مواطن حقّ يساوي جاره، لا يزيد عليه ولا ينقص عنه. هذه هي البداية، لنكون شعباً حراً كريماً، يعيش في بلدٍ كريم.
ليس المطلوب أن نجلس معاً ونتبادل المجاملات والابتسامات، وإنّما أن نتفق على الأساسيات والقيم الكبرى. تلك الأساسيات التي انتهت إليها الشعوب العاقلة الأخرى التي أنضجتها التجارب، فتخلّصت من الحروب والعداوات والانشقاقات وبحور الدم، وأسّست لحياةٍ سليمة، يسودها القانون المطبّق على الجميع. لقد استقرت الشعوب الأخرى، شرقاً وغرباً، بعدما توصلت إلى تلك التوافقات الكبرى، وأرست قواعد العدالة والحكم الرشيد، ومازلنا أمةً ضائعةً حيرى، نقدّم رجلاً على طريق الإصلاح ونؤخر أخرى لنغوص مرةً ثانيةً في الوحل ونلغ في الدم.
البداية أن نعترف بالآخر، مساوياً لنا تماماً. لنا وله نفس الحقوق، وعلينا وعليه نفس الواجبات، وإلا فينتظرنا الكثير من البؤس والشقاء والمقاومة والدمار.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4229 - الأحد 06 أبريل 2014م الموافق 06 جمادى الآخرة 1435هـ