إسرائيل" والدعوة لتحمل ثمن الكراهية
د. إبراهيم البحراوي
صحيفة الاتحاد الإماراتية 21/8/2006
في نطاق ندوة عقدت بقرية الدبلوماسيين بالساحل الشمالي في مصر، وجدت نفسي كمتحدث عن العقائد والمفاهيم الصهيونية الحاكمة والمحركة للسلوك الإسرائيلي في الحروب مع العرب، مطالباً بتفسير إقدام "إسرائيل" في الحروب على ارتكاب المذابح بدم بارد. لقد جاء نموذج مذبحة قانا 2006 ليتوج سلسلة شهيرة من المذابح ويدعم المفاهيم المؤسسة لها، فقد صاحب المذبحة صدور بيان من حاخامات الضفة الغربية يبيح للجيش الإسرائيلي قتل الأطفال العرب باعتبارهم مشروعات لعناصر معادية لـ"إسرائيل" في المستقبل. وفي عام 2000 وعند اندلاع انتفاضة الأقصى طالب الحاخام عوفاديا يوسف بإطلاق الصواريخ على المتظاهرين ومدنهم، وأسس لدعوته بالقول إن الرب قد خلق الشر وخلق معه العرب كما يذكر التلمود، وإذا كانت محاربة الشر ضرورة للقضاء عليه، فكذلك هي محاربة العرب.
وقبل هذه الدعوة المباشرة لارتكاب جريمة الإبادة ضد البشرية، نعى نفس الحاخام على رئيس الوزراء باراك محاولته عقد سلام مع الفلسطينيين في كامب ديفيد مع عرفات وكلينتون، قائلاً: إن من يعقد سلاماً مع الأفاعي يكون فاقداً للرشد والأهلية. وقبل ذلك وفي الثمانينيات أطلق الجنرال رفائيل إيتان رئيس الأركان عام 1983 مقولته الشهيرة.. سنحشر العرب في زجاجة ليأكلوا بعضهم بعضاً كالخنافس السامة.
وقبل ذلك وفي حرب 1967 ارتكب القادة الإسرائيليون مذبحة ضد الأسرى المصريين العُزل ولم تكن الأولى، حيث حدث مثلها قبل إحدى عشرة سنة في حرب 1956.
إن أهم وأول المذابح التي يعرفها الإعلاميون والمثقفون العرب هي مذبحة دير ياسين في أبريل 1948 والتي شاركت فيها قوات من "الهاجاناه" مع قوات من "الأرجون" في اقتحام القرية المسالمة وقتل من فيها من نساء وأطفال بدم بارد ومن مسافات قريبة. غير أن التنقيب في المصادر التاريخية يبيّن أن أقدم وأول مذبحة ارتكبت ضد المدنيين الفلسطينيين، قد وقعت عام 1919 في يوم عيد النبي موسى. إنه عيد يحتفل به المسيحيون والمسلمون معاً، ومن ضمن طقوسه الصلاة في المسجد الأقصى. في ذلك اليوم دخل فلاديمير جابوتنسكي مؤسس الجناح اليميني للحركة الصهيونية وكان مازال ضمن قيادة قوات "الهاجاناه"، ومعه مجموعة من جنوده إلى ساحة المسجد الأقصى وتوزعوا وراحوا يطلقون نيران الرشاشات على المصلين، فأسقطوا أكثر من مئة مُصلٍّ ما بين قتيل وجريح. جاءت هذه المذبحة لتعلن انتصار مدرسة استخدام العنف والجريمة الإرهابية ضد الشعب العربي على مدرسة الاندماج والتعاون مع العرب.
لقد نشأت الأصول الفكرية للمدرستين الصهيونيتين عام 1907، أي منذ قرن من الزمان، عندما لاحظ المثقفون والأدباء من المهاجرين الصهاينة التذمر لدى الفلاحين العرب نتيجة لتشريدهم من أعمالهم بعد بيع المزارع التي كانوا يعملون بها للحركة الصهيونية وطردهم من هذه الأعمال. كذلك لاحظ هؤلاء المثقفون الصهاينة أن الصحافة العربية في فلسطين ولبنان وسوريا بدأت في الالتفات لخطر الاستيطان الصهيوني، وحرصاً من هؤلاء المثقفين على مستقبل المشروع الصهيوني وخشية عليه من القوة العربية وهو ما زال نبتاً صغيراً، دعا إسحاق أبشتاين إلى التعاون مع العرب والاعتراف بحقهم في الأرض والاقتراب من ثقافتهم الإسلامية باعتبارها ثقافة حمت اليهود على مر العصور، على عكس الثقافة المسيحية الأوروبية التي اضطهدت اليهود وعصفت بهم باعتبارهم قتلة المسيح.
تصدي لأبشتاين عدد كبير من المثقفين في مقدمتهم يوسف كلاوزنر وحاييم برينر، والأول مؤرخ والثاني أديب. رفض كلاوزنر الاندماج مع العرب قائلاً إن السادة يجب ألا يندمجوا مع عناصر منحطة حضارياً، وإنه يجب الفصل التام بين اليهود والعرب. في حين قال برينر إن الدعوة إلى المحبة بين اليهود والعرب هي دعوة منافقة، فنحن نكره العرب وهم يكرهوننا وعلينا مواصلة طريق الكراهية والتهيؤ لدفع ثمن الكراهية كاملاً. وكان الثمن التخلي عن أي ضمير وأخلاق عند قتل العرب بدمٍ بارد.