حماية مكتسباتنا الوطنية
في الفترة السابقة للعام 2001، كان كثير من الناس يخشون الحديث العلني في الشئون السياسية، إذ كان «الحديث في السياسة» يجرُّ على المرء الويلات، ولذا فقد كان البعض يكره السياسة، والبعض الآخر يتجنبها، والأخبار غير الرسمية لم تكن تتوافر بسهولة، والناس كانوا يقرأون الأخبار الحساسة بين السطور من خلال متابعة عمود رأي هنا أو هناك، وكانت كلمة «السياسة» مرادفة لتعبيرات مختلفة لدى معظم الناس العاديين. فهي كانت مرادفة لدخول السجن، ولسحب الجواز، وللمنع من السفر، وللفصل من العمل، وللحرمان من بعثة، إلى آخره. ووصلت الشدة السياسية ذروتها في ثمانينيات القرن الماضي، وانفجرت الأوضاع في التسعينيات، ودخلت البحرين مرحلة صعبة جداًً، ولم تخرج منها إلا بعد الإفراج عن المعتقلين والسماح للمبعدين بالعودة والتصويت على ميثاق العمل الوطني، والسماح للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان بالتسجيل، لتدشن بذلك عهداً جديداً من العمل الوطني الذي انفتح على جميع الفئات، وشعر الناس بأنهم ودّعوا فترة كان الناس يخافون فيها من النطق بكلمة «سياسة».
حالياً، وبعد مرور شهرين على اعتماد استراتيجية أمنية جديدة، وبعد مصادرة مجلس الإدارة المنتخب لأول جمعية تم إطلاقها في عهد الإصلاح (الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان)، فإن الناس العاديين بدأوا يراجعون أنفسهم، إذ إن «السياسة» قد تعود لتصبح مرادفة لأمور شتى لا يودُّ الكثيرون الدخول فيها.
إن من المفارقات التي سيذكرها التاريخ، وربما يحتار في تفسيرها المؤرخون بعد سنوات من الآن، هي أننا نمرُّ حالياً في أجواء انتخابية، وفي الوقت ذاته فإن الخطاب الأمني الرسمي هو السائد، بل أصبحت جهات وجمعيات وفعاليات وشخصيات شاركت في إنجاح المشروع الإصلاحي عبر الدخول في العملية السياسية «ممنوعة» من ممارسة عدد غير قليل من نشاطاتها (ومشتومة أيضاً)، رغم أنها لم ترتكب أية مخالفة قانونية، وليست لها أية علاقة بأعمال عنف أو تحريض.
إن المشاركة في العملية السياسية، سواء عبر الانتخابات، أو عبر الجمعيات الأهلية والمؤسسات المرخصة، يجب أن تكون مفخرة للجهات الرسمية، ونتمنى من الذين يتخذون القرارات المختلفة حالياً أن ينظروا إلى المدى البعيد؛ لأن إخماد المجتمع المدني المستقل، وإعادة نشر الخوف من «السياسة» بين الناس (حتى لو كان عن غير قصد)، إنما سيكرر لنا تجارب مريرة لم تأتِ بفائدة للوطن. إننا يجب أن نتكاتف جميعاً من أجل حفظ أمننا وسيادة بلادنا وحقوق مجتمعنا، وحرياتنا العامة، وأن نقبل بالرأي والرأي الآخر، وأن نحافظ على كل ذلك من دون تفريط بأي جانب... فجميعنا مسئولون عن حماية مكتسباتنا الوطنية.
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2958 - الثلثاء 12 أكتوبر 2010م الموافق 04 ذي القعدة 1431هـ