فوز ترامب والزلزال القادم
عبدالنبي العكري
مع إعلان نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية فجر الأربعاء (8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، بعد يوم انتخابات متوتر بفوز دونالد ترامب، المرشح الشعبوي، وهزيمة هيلاري كلينتون مرشحة المؤسسة الأميركية، فقد شكل ذلك صدمة لم تقتصر على مؤيدي هيلاري والحزب الديمقراطي؛ بل صدمة لفئات واسعة من الأميركيين، وكان بمثابة الزلزال الذي تردَّد صداه على امتداد العالم، وغير المصدق لما حدث وكأنه كابوس، لكنه حقيقة يجب التعامل معها.
وقد اندلعت مظاهرات الاحتجاج العنيفة، ولاتزال في أهم المدن الأميركية وخصوصًا من قبل الشباب.
لقد سبق أن كتبت بشأن مناظرة جرت في نادي طلبة جامعة كامبردج بشأن معركة الرئاسة الأميركية ما بين ترامب وكلينتون، حيث صوّتت غالبية الحضور لصالح كلينتون، وأنا مثل كثيرين كانوا يعتقدون بفوز كلينتون، وندرك الآن سوء تقديرنا، وعدم معرفتنا بما يجري تحت السطح الأميركي، وفشلت، في معرفة ذلك، مراكز الدراسات والطبقة السياسية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وامبراطورية الإعلام، ومراكز استطلاعات الرأي العام ليس في أميركا فقط؛ بل الغرب ككل، ليفاجأوا جميعًا بفوز ترامب، القادم إلى السياسة من خارج المؤسسة والطبقة السياسية، فلم يسبق لترامب أن تسلم أي منصب رسمي، وهو، وإن كان رجل أعمال ناجح وملياردير، إلا أنه لا ينتمى سياسيًّا إلى طبقته، وله تاريخ حافل مثير للجدل، بشأن تلاعبه كرجل أعمال بالتهرب الضريبي، وسلوكه الجنسي المشين، ومواقفه الاجتماعية المستفزة، لكن غالبية الأميركيين العاديين البيض المطحونين بآلة النظام الأميركي التي لا ترحم، اختاروا ترامب كمخلص لهم من هذا النظام الذي لا يرحم، بغض النظر عمَّن يحكم في البيت الأبيض ديمقراطيًّا أو جمهوريًّا، أبيض أو أسود، ليبراليًّا أو محافظاً، فقد أثبتت تجربة أوباما في الحكم لفترتين رئاسيتين والآمال الكبيرة بالتغيير (Change) وهو شعار حملته الانتخابية، أنَّ النظام أقوى منه.
ردُّ الفعل المباشر في الولايات المتحدة كان الصدمة، واندلاع مظاهرات عنيفة في عدد من المدن الرئيسية الأميركية، من نيويورك حتى لوس أنجليس وما بينهما. وقد انطلقت هذه المظاهرات من مدارس ثانوية وجامعات، وقوامها الشباب الأميركي المصدوم بفوز ترامب وهزيمة كلينتون، ثم لحق بهم مجاميع من الأميركيين وبالخصوص الأقليات من السود واللاتينيين والمسلمين والمهاجرين غير الشرعيين، وشعارهم هذا ليس رئيسي (Not my President) لكن هذه الاحتجاجات ليست بالضرورة إعجابا بهيلاري كلينتون، فقد كشفت تحقيقات وكالة التحقيقات الفيدرالية (FBI) وبيان رئيسها، أن الآلاف من ايميلات هيلاري هي عبر كمبيوترها الشخصي، وبشأن مصادر تمويل حملتها الانتخابية، وتمويل مؤسسة زوجها كلينتون المشبوهة، ودورها ضمن إدارة أوباما، في التواطؤ مع الحركات التكفيرية مثل «طالبان» و»القاعدة» و»داعش». لكنهم يحتجون على انتخاب ترامب المعروف بسلوكياته المشينة ومواقفه العنصرية.
وهنا فإن هناك عدة استنتاجات، ومنها أن نظام الحزبين في الولايات المتحدة هو نظام فاشل، وأن الحزبين الجمهوري والديمقراطي هما، كما وصفهما فيدل كاسترو «فردتي حذاء واحد». هنا يسترجع الكثيرون، استبعاد الحزبين الديمقراطي والجمهوري مرشحين كان يمكن أن يشكلوا بدائل أفضل، وأكثر إصلاحا للنظام، فقد استبعد الديمقراطيون بيرني ساندرز، الذي طرح برنامجا اجتماعيا وسياسيا متماسكا وعادلا وسياسة خارجية سلمية.
دونالد ترامب طرح من خلال خطبه المتفرقة برنامجا يفترق كثيرا عن برامج المؤسسة الرسمية الأميركية، بمختلف أوجهها مع بعض الثوابت. فمن ثوابت ترامب أن إسرائيل هي الحليف الأقرب والأوثق لأميركا، وأنه يعترف بإسرائيل كدولة يهودية، وعاصمتها القدس الموحدة، متوعداً كل من يتعرض لها، ويدعو الفلسطينيين إلى الاستسلام الكامل.
أما مرتكز برنامج ترامب فهو أن مصلحة أميركا ومصلحة الأميركي العادي هما الأساس في سياساته القادمة، الداخلية والخارجية. وينطلق ترامب من واقع فقدان الأميركيين الوظائف بسبب انتقال المصانع الأميركية الى الخارج، لتجنب الضرائب، وقوة العمل الرخيصة، وبسبب الهجرة غير الشرعية من أميركا اللاتينية وخصوصاً من المكسيك، والتي يجرى شرعنتها تباعاً، وبذلك سيعمل على إصلاحات ضريبية لعودة المصانع الأميركية، وطرد جميع المهاجرين غير الشرعيين، كما سيحدُّ من الهجرة ودخول فئات، وخصوصاً المسلمين إلى أميركا.
وبالنسبة إلى السياسة الخارجية فهو برغماتي وليس إيديولوجي، ولذلك فإن ترامب غير متمسك بالتحالفات والاصطفافات الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها حلف الأطلسي، الذي لم يعُدْ له مبرر بعد زوال حلف وارسو والاتحاد السوفياتي، ومرابطة قوات أميركية لحمايتها من عدوٍّ وهميٍّ، كما هو الحال في اليابان وألمانيا، والتي سيتفاوض ترامب لسحبها. كما يؤكد ترامب أن الدول التي تحتاج إلى الحماية الأميركية مثل دول الخليج عليها دفع كلفة ذلك.
ويتخلى ترامب عن العمل لتغيير الأنظمة، وخصوصا بداعي الديمقراطية، كما في المنطقة العربية، ويدعو إلى تحالف جديد بما في ذلك روسيا لمحاربة التنظيمات الاسلاموية المتطرفة وخصوصاً «داعش»، وترامب معجب جدا ببوتين، ولا يرى في روسيا خصمًا، ويسعى الى اتفاق تاريخي مع روسيا، وبالتالي وضع حدٍّ للمواجهة بين أميركا وروسيا في الشرق الأوسط وأوروبا، وتقليص الوجود العسكري الأميركي في أوروبا الشرقية، وذلك ضمن استراتيجية تقليص القواعد والوجود والانتشار العسكري الأميركي خارج أميركا، والتي تكلف الاقتصاد الأميركي الكثير، حيث المصروفات العسكرية الأميركية تعادل أكثر من ثلث الإنفاق العسكري العالمي.
فوز ترامب ترافق مع احتفاظ، بل تعزيز الغالبية الجمهورية في الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، وعلى رغم أن المؤسسة الجمهورية لم تكن متحمسة؛ بل إن بعض قياداتها معارضة لترامب، إلا أنه يتوقع أن تتم مصالحة ما بين الطرفين، وتبنَّى الحزب الجمهوري برنامج ترامب مع بعض التعديلات، وترجيح الجناح اليمين في الحزب الجمهوري، حيث يرجح أن يتولى اليمني عضو مجلس الشيوخ السابق نيوت جينجريتش وزارة الخارجية.
أميركا اليوم لم تفق من زلزال فوز ترامب وهزيمة كلينتون، وتعاني اليوم من انقسام عمودي، لا تخفيه تطمينات ترامب بأنه رئيس كل الأميركيين، لكنها مناسبة لإعادة تفكير الأميركيين في نظامهم السياسي الاقتصادي الاجتماعي الثقافي، والذي يعيد إنتاج نظام لصالح الطغمة الحاكمة والمالكة على حساب غالبية الشعب الأميركي، وتشعل الحروب والاضطرابات والنزاعات والاختلالات السياسية للبشرية، في ظل العولمة الوحشية وهو ما طرحه باستفاضة المفكر الأميركي نعوم تشومسكي. لكن فوز ترامب ببرنامجه الوطني اليميني، هو جزء من ظاهرة أوسع في العالم الغربي وهو ما سنناقشه في مقال آخر.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5194 - السبت 26 نوفمبر 2016م