حديث الجمعة 05/10/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الأحبة: سلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد: فقد قال الله تعالى:
"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحديد:25)
أيها الاخوة والأخوات، أيها الأبناء والبنات:
سوف يكون كلامنا اليوم على ضوء الآية المباركة عبر النقاط التالية:
أولا: تبيِّن الآية الكريمة مفهوماً مركزياً في التصور الإسلامي حول الحياة العامة، هذا المفهوم هو مفهوم العدل وإقامته بين الناس. ولقد حدَّدت الآية أحد أهم أهداف الرسالة السماوية، وهو إقامة القسط، وتعزيز ذلك القسط بمفهوم النظام، حيث ترشد الآية إلى الحديد الذي يستخدم في تعزيز الأمن والاستقرار الذي يدعم العدالة. والحديد هنا رمز القوة في الإسلام وليس للقمع والبطش بل لمصلحة الأمة، لإسناد العدالة،إنَّ الفرق بين حياة الإنسان في ظل الجاهلية وحياته في ظل الإسلام أنَّه قد أصبح آمناً على الأشياء الثلاثة وهي أنفس الأشياء وهي الدم والعرض والمال،فقد كان في الجاهلية غير آمنٍ على نفسه ولا على عرضه ولا على دمه، فإذاً ممارسة القوة لا بدَّ أن يكون من أجل سلامة الإنسان وصيانة حقوقه والدفاع عنه، وليست للبطش أو الفتك أو الظلم أو اغتصاب الحقوق ،ولقد مر رسوا الله (ص) بأبي مسعود وهو يؤدِّب غلاماً له، حيث يضربه بالسوط، ولكن كان التأديب فيه خشونة، فهاله أن يرى غلاماً يستغيث ويسترحم، وسيده ينهال عليه بالسوط ضرباً، وأزعجه المنظر، فرفع صوته قائلا: ارفع سوطك أبا مسعود، واعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام. فارتعد أبو مسعود وسقط السوط من يده وقال: هو حر لوجه الله. فقال: أولو لم تفعل للفحتك النار. ثم إن الاستقرار المرتبط بالعدالة بين الناس يتطلب وجود الضوابط التي تمنع تحول ذلك الاستقرار والأمن إلى القمع والاستبداد. وفي الوقت ذاته فيما لو انعدم الاستقرار والأمن فإن الفوضى تؤدي لضياع مصالح الناس.
ثانيا: ربطت الآية المباركة إقامة العدل بوجود الحماية لتلك العدالة. وإننا حينما نقرِّر هذا المعنى لسنا ندعو للتركيز على الأمن والاستقرار على حساب حرية الناس وحقوقهم الأساسية والدستورية، ولكن ندعو لإقامة القسط والعدل المرتبط بالحرية. وتعزيز العدل والحرية بالأمن والاستقرار هو السبيل لتنمية المجتمعات المتطورة. ولذلك كان من المهم التركيز على الآليات التي تضمن العدالة من جهة وحفظ النظام من جهة أخرى. فآليات المجتمع الحديث متعددة ولكن أهمها وجود المجلس التشريعي المنتخب، وسلطة قضائية مستقلة، وتشكيلات اجتماعية كثيرة قائمة على الانتخاب والتمثيل الصحيح لمصالح المجموعات المختلفة التي يتكون منها المجتمع. وعلى هذا الأساس أشير إلى ما حدث يوم الثلاثاء 2 أكتوبر في وزارة العمل والشئون الاجتماعية عندما توجَّهت مجموعة من أبنائنا الباحثين عن العمل للالتقاء مع مسئولي الوزارة، ولكن لعدم وجود آلية للحوار وعدم وجود ضوابط محددة انقلب الوضع وأدى لتجاوزات مؤسفة.نحن لا ننكر أن يجتمعوا ويطالبوا الجهات المختصَّة بتوفير العمل والوسيلة للّقمة الشريفة الكريمة ولكن نعارض الفوضى ،ولذلك فإننا ندعو أبناءنا وبناتنا – بكل جدية - إلى الابتعاد عن الأساليب غير الصحيحة التي قد تؤدي لتعطيل مسار العمل في الأجهزة الرسمية. وهذا لا يعني أن حقوق الناس تضيع دون دفاع عنها ومطالبة بها، ولكن يجب أن يكون ذلك ضمن آلية قائمة على أساس الشورى بين من يهمهم الأمر. وعلى هذا الأساس فإنني أؤيد ما قرَّره أبناؤنا الباحثون عن العمل من سعيهم لتشكيل لجنة متابعة بالاشتراك مع اللجنة العامة لعمال البحرين للتفاوض مع الجهات المعنية بهدف الحد من تفاقم أزمة البطالة، ولذا فإني أكرر طلبي لأبنائي الأعزاء بعدم إثارة الاضطرابات، وعدم التجمهر، وأدعوهم للاتجاه لطرح قضيتهم عبر من يمثلهم تمثيلا صحيحا.
ثالثاً:أنتقل إلى موضوع آخر أشار إليه سمو الأمير(حفظه الله تعالى) في خطابه يوم الثلاثاء الماضي عندما تحدث عن إصدار قانون البلديات قبل نهاية العام وعودة المجلس التشريعي المنتخب في المدة المحددة. وأود التأكيد على ضرورة إشراك القوى الاجتماعية بصورة كافية للتأكد من رأي الشعب والذي نذر الأمير نفسه لتحقيق طموحاته. ففي غياب المجلس المنتخب الذي نرجو أن لا يتأخَّر قيامه لابد من وجود المشاركة الفعلية لآراء المواطنين، ووجود عامل المراقبة للتأكد من رعاية مصالح الناس في مسائل هامة، كموضوع البلديات. فلابد من إيجاد آلية تتضمن المشاركة الشعبية للموافقة على النظام البلدي الذي سيطرح الناس. ويمكن تحقيق ذلك عبر إشراك بعض الجمعيات الأهلية المختصة.
أيها الأبناء والبنات: وبالنسبة للأوضاع المحيطة بنا لي كلمة، أقول: إن لنا موقفاً، وهذا الموقف لمسيرتنا توجبه علينا السماء، فالقرآن العظيم يقول "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ" والرسول (ص) يقول "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع منادياً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم".
إن موضوع العدالة في غاية الأهمية على جميع المستويات. فعلى المستوى الدولي طرحت الولايات المتحدة شعار "العدالة المطلقة" في مسألة مكافحة الإرهاب، واحتج المسلمون. فالولايات المتحدة التي عانى شعبها في الشهر الماضي من عمليات إرهابية مدانة، مطالبة بعدم معالجة الخطأ بالخطأ. فالسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية لا تهتم من قريب أو بعيد بمصالح الأمة الإسلامية، وتغض الطرف بل وتساند الدولة الإرهابية الوحيدة في عالم اليوم. تلك هي إسرائيل التي لم تعترف في يوم من الأيام بالقرارات الدولية الصادرة من الأمم المتحدة وتواصل إرهابها وقمعها لأهلنا في فلسطين. كيف يمكن إذن من الولايات المتحدة الأمريكية مطالبة العالم بالوقوف إلى جانبها ضد الإرهاب الذي تعرَّضت له، وهي في الوقت ذاته تساند الإرهاب الرسمي الموجَّه ضد الفلسطينيين!! لماذا الكيل بمكيالين! ولماذا هذا الدعم غير المحدود للكيان الصهيوني الذي يستخدم السلاح الأمريكي والمال الأمريكي! والدعم الدولي الأمريكي لاضطهاد الفلسطينيين وحرمانهم من العيش بسلام على أرضهم.؟!! أو ليس هذا التناقض هو الذي أدى بالبعض لتوجيه الكراهية للإدارة الأمريكية؟ إننا لسنا ضد أحد، ونمد يدنا الإسلامية للتعاون مع الجميع من أجل عالمٍ متحضر بعيد عن لغة العنف والإرهاب. وسوف يتحقق هذا الأمر فيما لو التفت الساسة الأمريكيون لنهجهم الخاطئ فيما يتعلَّق بقضايا العالم الإسلامي. إننا من دعاة الحوار بين الثقافات والأديان والحضارات، ولسنا ممن يؤمن بالتصادم والقتل والإرهاب. والحوار يتطلب الوقوف أمام العنجهية الإسرائيلية التي أدخلت شرقنا الأوسط في متاهات وصراع لا ينتهي.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وإلى أرواح شهدائنا الأبرار وجميع أموات وشهداء الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد.