حديث الجمعة 11/5/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. قال الله تعالى ((وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)). البقرة 143. أيها الأخوة والأخوات أيها الأبناء والبنات: سلامٌ من الله عليكم ورحمة وبركات. قبل الكلام على ضوء الآية المباركة، وبمناسبة أننا نعيش اليوم ذكرى شهادة الإمام الثامن من أئمة أهل البيت (ع) الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، أوجّه العزاء إلى الرسول (ص) وأهل بيته (ع) وإلى بقية الله في أرضه، وإلى الأمة الإسلامية، عظّم الله أجورنا وأجوركم في هذا الإمام العظيم. وبعد هذا أقول:
تحدثنا في الأسابيع الماضية عن ملمحين من ملامح الخط الوسطي وهما:
· · المبدئية الإسلامية في قبال الخطوط المصلحية المتلونة بلا قيد أو شرط
· · والإيمان بالحوار كوسيلة للتفاهم مع الآخرين بدل الصراخ والعنف والجدل بلا حق.
واليوم نطرح الملمح الثالث من ملامح الخط الوسطي وهو الانفتاح على الإطروحات الأخرى والجماعات الأخرى الذين يختلفون معنا.
فالخط الوسطي يؤمن بضرورة الانفتاح على الآخرين لأن:
1) الانفتاح أصل والاختلاف حالة طبيعية في الحياة البشرية على مستوى الأفراد والجماعات والدول، وحتى الخلاف حالة موجودة لا يمكن أن تلغيها أو تنفيها من الساحة.
في الأسرة الواحدة، في الطائفة الواحدة، في البلدة الواحدة هناك آراء تلتقي وتتباعد، وهناك جماعات تتفق وتختلف، وحتى الجماعة الواحدة تجتمع حول قضية معينة وتفترق حول قضية أخرى.
لن تجد في الوجود كله جماعة واحدة تتفق في كل شيء، هذا خيال أو مثالية أو دكتاتورية تخرس الألسن وتصم الآذان.
فما العمل؟ هل تنغلق؟ هل تنسحب من الساحة إذا وجدت من يختلف معك وتعيش في مغارة؟
أم تحمل السيف وتسفك الدماء حتى يطيعك الجميع؟ هذا جنون!
الاختلاف موجود، والجماعات المختلفة معك موجودة، لا يمكن أن تلغيها لمجرد أن تغمض عينيك.
2) الانغلاق عزلة وخسارة وضعف وطائفية:
وهنا أقول لابديل للانفتاح على الآخرين إلا السلبية والتراجع، فالعالم اليوم متغير غير جامد، يموج بالحركة والناس والحركات والجماعات بما تؤمن كل يوم تتقدم وتتأخر في موقع، وتنتصر وتنهزم في موقع آخر.
لا يمكن لأي حركة تريد أن تقود الإصلاح أن تنعزل أو تنغلق بحجة أن الساحة كلها فساد وتريد أن تحافظ على هويتها وأصالتها هذا كلام مثالي وغير دقيق.
وإن فعلت ذلك فإنك تترك الساحة للآخرين يقودونها إلى ما يشتهون ويرغبون فيزداد الفساد والضلال!
وهل تستطيع أي حركة أن تقود عملية الإصلاح دون أن تحيط علماً بمجريات الأمور وخلفيات الأحداث؟ وهل تستطيع أي حركة أن تهدي الناس دون أن تطرح لهم أفكارها وبرامجها؟!
3) الانفتاح واقعية وصراحة وتخطيط:
والخط الوسطي يفكر بواقعية، فعلى الأرض هناك خطوط تختلف معه، داخل البيت الواحد وخارجه، داخل المذهب الواحد وخارجه.
في هذا البلد ونحن نعيش الآن حركة إصلاحية الكل يريد أن يساهم ويريد أن يطرح رؤيته للأمور.
هناك الإسلاميون سنةً وشيعة، وهناك القوميون وهناك الليبراليون. وفي داخل هذه الخطوط جماعات وجماعات.
والخط الوسطي واقعي يفكر بواقعية بعيداً عن المثالية.
والخط الوسطي صريح يعلن عن هويته دون أن يستعير له أسماء ولا يحتاج لأقنعة يتستر بها، بل هو خط كما قلنا مبدئي يتبنى الإسلام المحمدي مبدئاً، ويسعى للإصلاح ولتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين سنةً وشيعة بالطرق القانونية والدستورية وبالأساليب السلمية.
والخط الوسطي لتحقيق ذلك ينفتح على الآخرين بعد الدراسة والتخطيط لحساب المصلحة الوطنية والإسلامية.
فعلى الأرض الخط الوسطي له برنامج يلتقي في بعض بنوده مع جماعات ويختلف في بقية البنود عن جماعات أخرى.
وشعارنا في هذا الموضوع الآية الكريمة:
((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)) الممتحنة 8-9.
وفي ضوء هذه الآية الكريمة انفتاحنا على الآخرين تحكمه الأمور التالية:
· المصلحة الإسلامية
· القواسم المشتركة
· الوحدة الوطنية
فقد تأتينا جماعة اليوم أو غداً حينما نكون في المجلس الوطني تطرح علينا قضية، فندرسها ثم نجد فيها إخلالاً للمصلحة الإسلامية أو تمزيقاً للوحدة الوطنية فإننا سنرفضها وإن جاءت من جماعة إسلامية حتى وإن كانت شيعية، وقد نفعل العكس: أن نوافق أو نتحالف مع أي جماعة من أي نوع إذا وجدناها تلتقي معنا في قواسمنا المشتركة، فالعبرة كل العبرة في القضية المطروحة لا الأشخاص.
مسألة التجنيس والجنسية البحرينية:
أيها الأبناء والبنات والأخوة والأخوات:
هذا الملف هام وحساس وينبغي أن يتم نقاشه بهدوء وعقلانية بعيداً عن الانفعالية والعصبية لما له من تبعات وآثار سياسية واجتماعية واقتصادية في الحاضر والمستقبل.
ففي الأشهر الأخيرة سمعنا الكثير عن هذا الموضوع وتوقفت بدايةً عن الخوض فيه بحجة أنها إشاعات تفتقد الدليل، ثم حصل لي بعض الاطمئنان في البعض منها وقلنا جزئيات لا ترقى لمستوى القضية، إلى أن طرحت جريدة الشرق الأوسط السعودية في عددها 9198 الصادر بتاريخ 9/5/2001م القضية، فكانت لنا هذه الوقفة مع الموضوع استناداً للجريدة نفسها والتي ذكرت ما نصه:
"أكد مصدر بحريني مسئول أن تجمعاً هائلاً من اليمنيين المقيمين في دول الخليج العربي قدموا إلى البحرين عبر المطار وجسر الملك فهد مصطحبين معهم عدداً هائلاً من الجوازات وصور الإقامة لأقاربهم وأصحابهم."
وقال هذا المصدر أن هؤلاء جاءوا مستندين لمعلومات غير صحيحة وأن طلباتهم رفضت لعدم مطابقتها للشروط وهو أن يكون المتقدم مقيماً في البحرين إقامة مستمرة لمدة 15 عاماً. إلا أن هذا المصدر نفسه عاد وأكّد أن عدداً من اليمنيين حصلوا بالفعل على الجنسية البحرينية لاستكمالهم الشروط لكنه لم يحدد العدد ؟!.
ولي حول هذا الخبر عدة استفسارات أرفعها إلى المسئولين في إدارة الهجرة والجوازات أرجو أن تتسع صدورهم لذلك:
1. هل من المعقول أن يأتي هذا العدد الهائل إلى مطار البحرين استناداً فقط لخبر غير صحيح ؟!
2. لماذا لم يحدد المصدر عدد الأخوة اليمنيين الذين تم تجنيسهم لاستيفائهم الشروط المطلوبة؟ وهل حقاً أن ذلك طُبِق على الجميع؟ خصوصاً أن الجريدة أشارت إلى أن أحد اليمنيين المقيمين في السعودية لمدة 25 عاماً قد تقدم للجنسية وحصل على رقم للمراجعة؟!
3. لماذا لم تتكرم إدارة الهجرة والجوازات بنفي الموضوع أو تأكيده في صحفنا المحلية خصوصاً ونحن نعيش عصر الشفافية والمصارحة كما أكّد عليها الميثاق الوطني والدستور؟!
أرجو أن تكون هذه الأخبار فعلاً غير صحيحة ولكن يساورنا قلق خصوصاً وان ملف عديمي الجنسية والذين يقدر عددهم رسمياً بأكثر من سبعة آلاف لم يُحل بعد رغم توجيهات القيادة السياسية وعلى رأسها صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله تعالى. مع العلم أن هؤلاء "عديمي الجنسية" كلهم مولودون في البحرين أباً عن جد فلماذا التأخير ؟!
لقد طرحت هذه القضية ضمن عدد من القضايا في اجتماعي الأخير مع سمو الأمير، وأشرت إلى بطء الإنجاز رغم كثرة مراجعة أسر عديمي الجنسية خصوصاً أولئك الذين مازالوا يعيشون في الخارج أمريكا وإيران.
أتصور أن هذه القضية تحتاج لقرار شجاع يحمل صفة الطوارئ لحلها على غرار ما حدث لموضوع البطالة وإلا فستظل هذه القضية معلقة بلا حل!
موضوع البطالة:
وبخصوص موضوع البطالة، فقد تفضل بزيارتي قريباً سعادة وزير العمل السيد/عبد النبي الشعلة الذي أبدى اهتمامه الجدي، فطرح خطط الوزارة لمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة من سنوات والخطوات العملية التي سيتتّبعها، فالشكر لسعادته على الصراحة والشفافية اللتين أبداهما في زيارته حيث أكّد على استعداده لمتابعة الموضوع في لقاءات قادمة.
ولا يفوتني قبل الختام أن أشير إلى ما يجري في أرض الرسالات، فما يُراق من دماء على أيدي الغزاة الصهاينة يومياً فاق حدود التصور، ويعكس حجم الهمجية والبربرية التي يتصف بها هذا النظام، نظام الصهاينة المجرم.
لكني أود أن أشير إلى نقطة مهمة، فقد وصلني عدة استفسارات حول المسيرة المزمع القيام بها اليوم بعد الصلاة دون أن نعرف من وراءها وما هي أهدافُها.
أقول نحن لسنا أوصياء على الساحة ولا نريد أن نحرم الآخرين حقوقَهم، ولكن أقول: عقلاً ومنطقاً لايمكن أن يوافق الإنسان عليها خصوصاً أن إمكانية حرفها وجرها إلى الفوضى والمواجهات قائمة وهي لا تتناسب مع المرحلة التي نعيشها. نعم يمكن الإعداد والتنظيم لها بصورة تضمن تحقيق أهدافها ولا أجد مانعاً في ذلك خصوصاً وأننا نعيش مرحلة الانفتاح والشفافية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.