وجوه عديدة للاستيطان الإسرائيلي في القدس
أيمن ياغي
صحيفة الوطن القطرية 6/9/2006
العطاءات التي أعلنتها حكومة إيهود أولمرت الإسرائيلية مؤخراً لبناء نحو 700 وحدة استيطانية جديدة في محيط مدينة القدس المحتلة تحمل دلالات وإشارات كثيرة بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي، يجب النظر إليها بحذر ودقة لما تحمله من دلالات عميقة وواضحة عن استراتيجية هذه الحكومة نحو إكمال ما بدأته حكومة أرييل شارون في مشاريع عدوانية لتغيير الواقع الجغرافي والسكاني للمناطق المحتلة وبالأخص مدينة القدس استباقاً لأي تسوية نهائية محتملة.
ومع أن عملية الاستيطان هذه ليست جديدة بل تأتي في إطار خطة أولمرت المعروفة بـ «خطة التجميع» والتي يجري تنفيذها بدقة وبسرعة فائقة، مستفيدة من حالة التجميد الكامل للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" من جهة وانكفاء المجتمع الدولي ممثلاً باللجنة الرباعية عن القيام بدوره لتنفيذ «خريطة الطريق» من جهة أخرى وربما تراجع الرئيس الأميركي عن المضي قدماً باتجاه رؤيته للدولتين من جهة ثالثة.
لكن هذا الإعلان الإسرائيلي الواضح عن هذا المشروع في هذا الوقت بالذات وفي هذه المناطق الحساسة يمكن قراءته من عدة وجوه الأول: سبب داخلي محض يحاول أولمرت من ورائه رفع شعبيته التي انهارت أمام الرأي العام الإسرائيلي بعد المواجهة الأخيرة مع حزب الله وما رافقها من إخفاقات سياسية وميدانية وضعت حكومته وحزبه كاديما على كف عفريت وأوقعتها تحت ضربات جمهور وقيادات متطرفة وكان لابد من تعويض الخسائر في لبنان بـ «أرباح» في فلسطين وفي القدس بالذات وهذا ما يمكن أن يحسن الصورة بعض الشيء أمام الهجوم الكاسح للتيارات المتطرفة وبرفع أسهمها وربما ينقذها من السقوط السريع.
أما الوجه الثاني فهو رسالة موجهة للفلسطينيين مفادها أن "إسرائيل" بإمكانها فرض رؤيتها الأحادية وإجراء الترتيبات التي تراها مناسبة مادامت «حماس» باقية في السلطة دون أن تخضع لشروط السلام الإسرائيلية.
والوجه الثالث لهذا الإعلان الإسرائيلي قد يوجه رسالة إلى العرب قبيل أن يتحركوا لعرض عملية السلام على مجلس الأمن الدولي مفادها أن تل أبيب لا تأبه بهم وبمبادراتهم ومشروعهم الجديد في مجلس الأمن.
ومادامت الأمور تحتمل هذه الوجه وربما أكثر من ذلك، فإن هذا الإجراء الإسرائيلي يوجه صفعة كبرى لكل المراهنين على السلام في المنطقة ويرتب على هؤلاء جميعاً مسؤولية كبرى نحو لجم الإسرائيليين عن ارتكاب حماقات كهذه، يمكنها أن تخلط الأوراق وتعيد العنف والتصعيد إلى المربع الأول.