بعد مضي ثلاثة شهور على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة حسان دياب، وهي في الأساس المهلة التي طلبتها من الشارع المنتفض على سياسات الهدر والفساد كي يتسنى لها القيام بالإصلاحات المطلوبة منها في سبيل حصول لبنان على المساعدات المالية الخارجية، وعلى الرغم من إعلان دياب مؤخرا أن 57% من تلك الاصلاحات باتت جاهزة، وتطمينات رئيس الجمهورية أمام سفراء مجموعة الدعم الدولية عن إشراف الخطة الاصلاحية على الانتهاء، يبدو واضحا أن الدول الصديقة ومجموعة الدعم الدولية ما خطت خطوة حتى الآن في تقديم الدعم المالي للبنان، لأنها لم تلمس الجدية المطلوبة من الحكومة اللبنانية في الشروع بتلك الإصلاحات وتطوير القطاعات ومعالجة مزاريب الهدر فيها لاسيما قطاع الكهرباء الذي كبد خزينة الدولة نصف دينها العام ولم يتخذ بشأنه أية قرارات مهمة حتى الساعة. ويتضح الموقف الدولي من تعليقه تلك المساعدات التي تعول عليها الدولة اللبنانية سواء من مؤتمر سيدر الذي خصص 11 مليار دولار فقط للاستثمار في مشاريع البنية التحتية أو من صندوق النقد الدولي لتجاوز المحنة المالية الكبيرة.
وما بين الإصلاحات المطلوبة من الحكومة للحصول على تلك المساعدات وانفلات الوضع المالي على نحو لم يشهد له مثيلا حتى في أحلك الظروف التي مر بها لبنان، يتمثل بارتفاع سعر الدولار وتحليقه فوق الـ 3200 ليرة لبنانية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق وانعدام قدرة المواطن على مجابهتها فاصبحت وللأسف الإعانات الاجتماعية عكاز معظم البيوت اللبنانية بوجه جائحة المجاعة التي تهددها وكأن الحياة باتت متوقفة على رغيف الخبز فقط.
تدهور الوضع المالي في البلاد والذي يتقدم على الملفات الأخرى، تسببت طرق معالجته في الأيام الاخيرة بصراع بين الأطراف السياسية حتى من الداخل الحكومي، فإعلان الرئيس دياب في كلمته التلفزيونية الأخيرة عن نية الحكومة اقتطاع نسبة 2% من الودائع المصرفية ضمن خطتها الاقتصادية واجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالرفض واصفا تلك الودائع بالمقدسة، فيما اعتبرها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط انقلابا ماليا وسياسيا للاستيلاء على البلد بالإضافة إلى مواقف اعتراضية سجلها كل من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وعدد من النواب والسياسيين، علما أن دياب كان قد طمأن إلى أن حسابات 98% من المودعين لن تمس، فيما أعلن في الوقت عينه أن الأموال في المصارف قد "تبخرت" قبل أن يصبح رئيسا للحكومة لأن الدولة استدانت من تلك المصارف وعليها أن تعيد تلك الأموال!
الحكومة التي تتخبط في قراراتها وبمواجهة الأزمات التي يمر بها لبنان لاسيما المالية منها يبدو أنها ستكون على موعد مع معارضة شديدة من خارجها، وليس ذلك فقط فإن بعض قراراتها استدعت ولأكثر من مرة تلويح بعض الأقطاب المشاركة فيها بسحب وزرائها منها ما ينفي انسجام مكوناتها حول سياسة موحدة لإدارة الملفات ويثبت من جديد أن حكومة دياب لم تكن إلا ممثلة لقوى سياسية وليست بحكومة الاختصاص التي عند التشكيل أريد الترويج لها.
أما المعارضة الأبرز فهي التي تنتظر الحكومة في الشارع وقد بدأت تحركاتها على نحو متقطع وفي أكثر من منطقة لبنانية احتجاجا على تردي الاوضاع المعيشية في ظل موجة الغلاء الفاحش وانحدار القوة الشرائية لليرة اللبنانية وغياب فرص العمل خصوصا بعد الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة في سبيل عدم تفشي الكورونا.
يتلقف اللبنانيون القرارات الحكومية على مضض ولا شيء واضح عن مستقبلهم ومستقبل بلادهم سوى ان "الافلاس" واقع واصحاب الشأن في السياسة والمال يعلنونه على مراحل.
أما إذا كانت الكورونا خطرا فإن الفقر والعوز لا يعرف المحاذير بالمطلق وانفجار اجتماعي يبدو قريبا جدا.
* صحافية لبنانية