جعفر الخابوري المراقب العام
عدد المساهمات : 11043 تاريخ التسجيل : 16/02/2010 العمر : 54
| موضوع: علي سيار رائدًا الإثنين أبريل 20, 2020 12:36 pm | |
| علي سيار رائدًاشارك بتعليق [/size] استمع رابط مختصر [*] [*] [*] [*] العدد 10234 الأحد 16 ابريل 2017 الموافق 19 رجب 1438 هناك بشرٌ في هذه الحياة لا تملك إلا أن تحبهم بصدق لما قاموا به من أعمال إنسانية جليلة. وحين تكتشف أن ما عرفته من أفعالهم النبيلة، ما هو إلا قليل من كثير مما لم تعرفه عنهم، ينتابك الإعجاب فتحبهم أكثر، وتراهم رموزاً مضيئة وقدوة حسنة للأجيال. علي سيار هو واحد من هؤلاء. وقد أحببته من بعد، قبل أن أقترب منه. وتعلمت منه دروساً في الوطنية والأخلاق، والثبات على المبدأ. وعندما عبرت بي السنون أكثر، وأنا أتابع علي سيار تكرست لدي هذه المودة، والإعجاب، والتقدير؛ ذلك أن هذا الإنسان الرائع حافظ على مبادئه وافكاره وسط أنواء كثيرة، وعبر عقود طويلة. بعض هذه العقود كانت صاخبة في الخمسينات، والستينات، والسبعينات؛ مليئة بالنضال الوطني من أجل الاستقلال وفيما بعد في السبعينات كان النضال الوطني من أجل الديمقراطية والحقوق المدنية. ظل علي سيار كل هذا الوقت الطويل متناغماً مع المبدأ والأفكار الإنسانية؛ سواء في نضاله الوطني أو كفاحه الصحفي. لقد عمل هذا الإنسان الرائع بهمة في عدة جبهات مهمة سوف أذكرها تاليا: كانت الصحافة هي محبوبته التي بدأ معها رحلة شاقة في بداية الخمسينات التي شهدت انتفاضة شعبية واسعة. وكان يكتب آنذاك في الصحف الوطنية التي مثلت صوت الانتفاضة الشعبية، وهي على التوالي جريدة صوت البحرين، والوطن، والقافلة. كانت هذه الصحف الثلاث تحتضن المطالب الشعبية لهذه الانتفاضة كما تنادي برحيل الاحتلال البريطاني. كان علي سيار مع رهط من مواطنيه الكتاب يحررون هذه الصحف التي كانت تعارض الاحتلال، وتطالب بإصلاحات واسعة على المستوى السياسي والمعيشي والتعليمي. وعلى التوالي تم إغلاق جميع هذه الصحف من قبل السلطة البريطانية. كانت هيئة الاتحاد الوطني، التي تمثل جميع الطوائف؛ تقود هذه الانتفاضة. استمرت الانتفاضة لمدة سنتين، بدءا من نهاية 1954 الى نهاية 1956. وعلى مدار هاتين السنتين جند على سيار قلمه الوطني والقومي والإصلاحي في هذا الاتجاه. لكن الحركة الوطنية أجهضت. ونزل الجيش البريطاني في الشوارع. وكان نصيب علي سيار التشرد خارج البلاد؛ إذ كان منخرطاً في هيئة الاتحاد الوطني. وعاش في الكويت بعيداً عن وطنه حتى فجر الاستقلال. حين عاد للبحرين واصل نضاله الصحفي بالكتابة في مجلة صدى الأسبوع التي أسسها في السبعينات. وكما كانت الصحف التي كتب فيها علي سيار هي منبر ولسان حال الحركة الوطنية في الخمسينات، كانت صدى الأسبوع منبر الحركة الوطنية ولسان حالها في السبعينات. ولعبت دورا مشابها لصحف الخمسينات، حيث شاركت فيها كوكبة من الأقلام الصادقة الشابة منهم على صالح، إبراهيم بشمي، عقيل سوار، حسن مدن وغيرهم، وكانت بحق صوتا معبرا عما يجيش في قلوب الناس. كانت فترة السبعينات بدورها مليئة بالقلاقل السياسية بعد إجهاض المجلس الوطني والديمقراطية. واستطاعت مجلة علي سيار أن تواجه الأوضاع المتردية بروح وطنية واضحة وجلية. في تلك الفترة الحرجة وما بعدها حافظ علي سيار على نقاوة روحه وقلمه، وعندما تراجعت الحريات بعد ذلك تراجعت معها حيوية الصحافة. لم تعد الصحافة تقوم بدورها المفترض في نقد وتقويم السلطة التنفيذية. من جانب آخر كان علي سيار ذا نشاط واسع في الكتابة ويكتب بانتظام، عبر ستة عقود متصلة. كنت أتابع من بعيد قلمه الوطني الصريح والصادق، وروحه العالية وأفكاره المستنيرة. فهو بذلك واحد من رواد التنوير المهمين في البحرين. وبدأ حملته التنويرية في فترة مبكرة كثيرًا. كان علي سيار أيضًا بصفته أكبر الصحفيين سنًا وأكثرهم خبرة هو قدوة حسنة لجيل كامل من الكتاب الشباب عبر السبعينات والثمانينات والتسعينات. ولا أعتقد أنني أبالغ إذا قلت إن هؤلاء الصحفيين قد تأثروا بصراحته النقدية ومهارته الصحفية وحرفيته. وظل أبووائل في كتابته الصحفية عبر هذه العقود الطويلة بعيدًا عن الابتذال والنفاق اللذين انتشرا في الوسط الصحفي بعد الطفرة النفطية. وفي سنواته المتأخرة لم تصرفه الإغراءات المادية عن الكتابة، فراح يكتب عموداً صحفياً يومياً في جريدة أخبار الخليج. ولا يخفى علينا، أن علي سيار هو أيضاً أحد رواد الحركة الأدبية في فترتها المبكرة، فقد كتب القصة القصيرة في الخمسينات مع رواد آخرين مثل أحمد كمال ومحمود المردي. وضع علي سيار مجموعته القصصية في كتاب بعنوان (السيد). إذا فهو أتى للصحافة من باب الأدب؛ وهذا سر ثراء كتاباته وغناها؛ بذلك يعتبر علي سيار أيضاً أحد رواد الأدب الحديث في البحرين. نال علي سيار تكريماً جميلاً من مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية ـ ومقرها دولة الإمارات العربية ـ واعتبرته هذه المؤسسة رائداً من رواد العمل الصحفي في الخليج العربي، وفي ذلك تأكيد على ريادة البحرين الثقافية والصحفية. تعرفت على «أبو وائل» في السبعينات لأول مرة في مكاتب صدى الأسبوع. وكنت أحمل معي مقالات ثقافية للنشر، رحب بي علي سيار رغم كوني مبتدئًا في الكتابة، وشجعني على النشر، وتحدث معي بود وتقدير وزمالة وتحدث عن الثقافة والحركة الأدبية، تحدث المطلع والمتابع والمهتم؛ فهو أحد أدباء الجيل الذي يسبقنا، كما أنه يعرف أهمية الثقافة والأدب في حياة الشعوب. الآن وعلي سيار يتوقف عن الكتابة منذ سنوات بسبب المرض، أشعر باشتياق بالغ إلى مداد قلمه الذي توقف، لكنه لا يبرح ذاكرتي كل الوقت. وهو يستقر في قاع روحي كما تستقر اللآلئ الجميلة في الأعماق.
[*] المقالات | |
|