"
*
آثار ومفاسد العجب :*
*إن العجب من الموبقات والمهلكات وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :*
*"من دخله العجب هلك".*
*
وقال الله تعالى لداوود (عليه السلام) :*
*"يا داود بشر المذنبين وأنذر الصديقين، قال: يا رب كيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين قال: يا داود بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك".*
*
أعوذ بالله تعالى من المناقشة في الحساب التي تهلك الصديقين ومن هو أعظم منهم.*
*
وصورة هذا العجب في البرزخ وما بعد الموت تكون موحشة ومرعبة جداً لا نظير لها في الهول، وأوضح ما يشير إلى ذلك قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأمير المؤمنين (عليه السلام) :*
*"ولا وحدة أوحش من العجب".*
*
وللعجب أثار ومفاسد تتبعه، يقع الإنسان بها إذا أصيب بالعجب، نذكر بعضها:*
*
1- إحباط الأعمال: إن العجب يحبط إيمان الإنسان وأعماله ويفسدها، وفي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن الشيطان يقول:*
*"إذا ظفرت بابن آدم في ثلاث فلا يهمني عمله بعد ذلك لأنه لن يقبل منه: إذا استكثر عمله، ونسي ذنبه، وتسرب إليه العجب".*
*
2- يستحوذ عليه الشيطان ويصبح فريسة سهلة أمامه، وقد ورد أنه سأل موسى بن عمران (عليه السلام) الشيطان:*
*"أخبرني بالذنب الذي إذا ارتكبه ابن آدم استحوذت عليه، قال: إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه".*
*
3- استصغار الذنوب، بل إن صاحب العجب يظن أن نفسه زكية طاهرة فلا ينهض لإصلاح نفسه، ولا يخطر على باله أبداً أن يطهرها من المعاصي لأن ستار العجب وحجابه الغليظ يحول بينه وبين أن يرى عيوبه، وهكذا سيبتلى الإنسان بأنواع النواقص دون أن يكون قادراً على معرفتها وإصلاحها، مما سيوصله إلى الهلاك الأبدي...*
*
4- اعتماد الإنسان على أعماله، وهذا ما يصبح سبباً في أن يحسب الإنسان نفسه في غنى عن الحق تعالى، ولا يرى لله تعالى فضلاً عليه! ويرى بحسب عقله الصغير أن الحق تعالى ملزم بأن يعطيه الأجر والثواب، ويتوهم أنه لو عومل بالعدل أيضاً لاستحق الثواب.*
*
5- احتقار عباد الله، فيحسب أعمال الناس لا شيء وإن كانت أفضل من أعماله ويسيء الظن بعباد الله ويرى نفسه أرفع منهم جميعاً.*
*
6- من مفاسده أيضاً أنه يدفع الإنسان إلى الرياء، لأن الإنسان إذا استصغر أعماله ووجد أخلاقه فاسدة وإيمانه لا يستحق الذكر، لا يطرح بضاعته تلك ولا يتظاهر بها، فإن البضاعة الفاسدة غير صالحة للعرض، ولكنه إذا رأى نفسه كاملاً وأعماله جيدة، فإنه يندفع إلى التظاهر والرياء ويعرض نفسه على الناس.*
*
7- من مفاسده أيضاً أنه يوصل الإنسان إلى التكبر، وهو رذيلة مهلكة سيأتي الكلام عنها مفصلاً فيما بعد إن شاء الله تعالى.*
*
فالعجب هو شجرة خبيثة تنتج الكثير من الكبائر والموبقات، فمن المحتم أن يعتبر الإنسان نفسه ملزماً بالنهوض لإصلاح النفس، وتطهيرها من هذه الرذيلة واستئصال جذورها من باطن النفس لئلا ينتقل لا سمح الله إلى العالم الآخر وهو بهذه الصفة فيكون حال أهل الكبائر أفضل من حاله، فيغمرهم الله برحمته الواسعة بسبب ندمهم أو بسبب ما كان لديهم من رجاء بفضل الله تعالى، وأما هذا المسكين الذي حسب نفسه غنياً عن الله تعالى، فسيرى العدل الإلهي إذا تجلى ولم تشمله الرحمة الإلهية، سيرى حساباً عسيراً وسيخضع لميزان العدل، فيعلم أنه لم يقم بأي عبادة لله تعالى وأن كل أعماله وإيمانه باطل وتافه، بل وأن تلك الأعمال والعبادات نفسه هي سبب الهلاك وبذرة العذاب الأليم ورأس مال الخلود في الجحيم. عندما يعلن رسول الله محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) قائلاً :*
*"ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك".*
*
فماذا سيكون حال سائر الناس؟ نعم أنهم عليهم السلام العارفون بفقرهم وبغناه تعالى، فلو قضوا جميع أعمارهم بالعبادة والطاعة والتحميد والتسبيح، لما أدوا شكر نعم الله، أي كمال يملكه الفقير بنفسه؟ وأي جمال لم يأخذه من ربه؟ وأي قدرة يمتلكها لكي يتاجر بها؟*
*" مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك".*
•