استمع
غزّة بعد أوكرانيا... لن يمرّ قصف المدنيين بعد اليوم
بقلم: عبير بشير
تواصل الطائرات والمدافع الروسية قذف حممها على المواطنين الأوكرانيين، وسحق مدنهم وقراهم. وعلى الرغم من تداول أنباء وشائعات عن إحراز تقدّم نحو وقف النار، لكنّ من الصعب توقّع أن يوقف بوتين الدبّابات الروسية إلى أن يحقّق صورة النصر. وما لم يحقّق هذه الصورة، يصبح بوتين الجريح أخطر وأكثر إيلاماً، وسيُطلق هستيريا الحرب من عقالها.
اليوم لا تردع بوتين العقوبات التي تُفرَض على روسيا، إذ لا مشكلة لديه في أن يعزل روسيا عن العالم، وأن ينتهج نظام التقشّف الذي تعوّد عليه الاتحاد السوفياتي إبّان الحرب الباردة. فقبل كلّ شيء بوتين هو قوميّ سوفياتي، وفي الأيديولوجيا يصبح عزل الشعوب هيّناً أمام الهدف الأيديولوجي الأسمى.
من السابق لأوانه التقدير ما هو العالم الذي سيظهر لنا في نهاية الحرب، لكن من المؤكّد أنّ ما سيكون لن يكون ما كان. فانشغال المركز الأميركي بذاته في حرب ممتدّة مع روسيا في الأراضي الأوكرانية يبدو أنّه بدأ يخفّف شدّة القبضة الأميركيّة على الشرق الأوسط الذي عانى كثيراً تحت وطأة التدخّلات الغربية والأميركية.
بحسب مبادئ الجيوبوليتيكا، "يؤدّي انشغال المركز بنفسه إلى سكون الأطراف". وبناءً عليه، من المتوقّع أن يشهد إقليم الشرق الأوسط، بوصفه نظاماً إقليمياً متفرّعاً من النظام العالمي، حالة من الهدوء، والشعور بالتحرّر إلى حدٍّ ما من اليد الثقيلة للنظام العالمي المنشغل بذاته، والبدء ببناء علاقات لحلّ المشاكل بين دوله.
في ضوء ذلك، يمكن قراءة رفض بعض القيادات الخليجيّة طلب الرئيس الأميركي جو بايدن زيادة معدّلات إنتاج النفط والغاز تعويضاً عن النفط والغاز الروسيّين، وزيارة بشار الأسد لدولة الإمارات التي شكّلت صدمة لإدارة بايدن..
العامل الآخر الَّذي يزيد المشهد الاستراتيجي تعقيداً أمام دول المنطقة، ويدفعها إلى التقارب، هو الاقتراب من التوقيع على الاتفاق النووي، الذي سيُنهي العقوبات الاقتصادية والماليّة المفروضة على طهران، واستطراداً سيُضاعف قدرتها على ضخّ الأموال لأذرعها في المنطقة. إلى جانب تلويح الولايات المتحدة برفع الحرس الثوري الإيراني من لائحة المنظّمات الإرهابية، مثبتةً من جديد أنّه لا يمكن الاعتماد عليها بعد فرارها من أفغانستان، وترك أوكرانيا لمصيرها أمام الغزو الروسي من دون أن تخلق ردعاً عسكرياً حقيقياً.