ولد ايفاريست غالوا في ال 25 من أكتوبر سنة 1811. بعد عشرين سنة وسبعة أشهر في وقت لاحق لقي حتفه في مبارزة. في غضون ذلك، كان قد أقام إحدى أهم وأجمل النظريات في تاريخ الجبر: نظرية غالوا. لم تتح الفرصة لغالوا لشرح نظريته بالكامل. خلال هذه السنوات شارك غالوا في العديد من أعمال الشغب المناهضة للحكم المونارشي الفرنسي، تم سجنه مرتين. في مايو 1832، أُجبر على قبول مبارزة. كان غالوا على يقين من أنه سيقتل، لذلك قام بكتابه بعض الرسائل إلى أصدقائه السياسيين. قِيل إن خصمه أراد قتله للتخلص من جمهوري خطير، لكن هذه الشائعة لم تؤكدها شهادة غالوا نفسه، لأنه كتب في نهاية أحد رسالائه لأصدقائه: " آسف لأولئك الذين قتلوني، فقد فعلوا ذلك بحسن نية."
أفترض أن غالوا نفسه كان لديه معلومات أكثر عن دوافع أولئك الذين تحدوه وقتلوه أكثر من أصدقائه، الذين اشتبهوا في المشاغبين السياسيين. عندما يقول انه فعلوا ذلك بحسن نية يجب أن يكون مقتنعًا بأن دوافعهم كانت صادقة. في رسالة اخرى كتبها إلى اثنين من أصدقائه عشية المبارزة يقول فيها: "مهمتكما بسيطة للغاية: هي إثبات أنني قاتلت بالرغم مني، أي بعد استنفاد جميع الوسائل الممكنة". في إحدى رسائله كتب غالوا أيضا:
"أدعو السماء لتشهد أنه كان إكراهًا وقوة استسلمت لاستفزازات تجنبتها بكل الوسائل .أتوب بعد أن قلت الحقيقة القاتلة لعدد قليل جدا من الرجال القادرين على سماعها بدم بارد. لكن في النهاية قلت الحقيقة، وسآخذ إلى القبر ضميرا خاليا من الأكاذيب، خاليا من الدم الوطني".
جرت المبارزة في 30 مايو سنة 1832، استغل غالوا الليلة السابقة للمبارزة لكتابة رسالة طويلة إلى صديقه أوغست شوفالييه، شرح فيها الأفكار الأساسية لنظريته. نُشرت هذه الرسالة في سبتمبر 1832 في موسوعة "Revue" ، وأعيد نشرها أيضا في "Oeuvres". وتنتهي رسالته إلى صديقه بهذا الطلب:
"ستطبع هذه الرسالة في موسوعة Revue. من مصلحتي كثيرًا ألا أخطئ في أن يشك أحد بأني أفصح عن نظريات لا أمتلك الدليل الكامل عليها. ستطلب علنًا من جاكوبي وغاوس تقديم رأيهما، ليس في صحة الإثبات، ولكن على أهمية النظريات. بعد ذلك، آمل أن يكون هناك أشخاص سيستفيدون من فك كل هذه الفوضى.
أعانقك بحرارة.
29 مايو 1832. إ. غالوا "
في صباح اليوم التالي أصيب غالوا برصاصة، ومات في اليوم الموالي.
كان غالوا رياضيا بارعا بكل ما تحمله كلمة الإبداع من معنى وسابقا لعصره فلم يتم استيعاب مكتشفاته إلا بعد حوالي عقدين من وفاته. الفوضى الذي تحدث عنها غالوا في رسالته إلى صديقه أوغست شوفالييه كانت بمثابة الحجر الأساس للجبر الحديث. مع غالوا، تغيرت طبيعة الجبر بشكل جذري. قبل غالوا، كانت جهود علماء الجبر أساسًا موجهة نحو حل المعادلات الجبرية. أوضح سكيبيو دال فيرو وتارتاغليا وكاردانو كيفية حل المعادلات التكعيبية، ونجح فيراري في حل المعادلات من الدرجة الرابعة. وأثبت غاوس أن المعادلة الحلقية يمكن حلها تمامًا بواسطة الجذور، وأن كل معادلة جبرية يمكن حلها بأعداد مركبة. غالوا، من ناحية أخرى، كان أول من بدأ التحقيق في بنية الحقول والزمر، وأوضح أن هذين المجالين يرتبطا ارتباطا وثيقا. إذا أراد المرء أن يعرف ما إذا كانت معادلة يمكن حلها بالجذور، يتوجب عليه أن يحلل بنية زمرة غالوا. كانت الفكرة الرئيسية لنظرية غالوا مقابلة كل معادلة جبرية بزمرتها التناظرية، حيث تسمح هذه البنية بنقل دراسة خواص المعادلة - كقابلية حلها بواسطة الجذور- إلى دراسة خواص الزمرة المقابلة له. بعد غالوا، كانت جهود كبار علماء الجبر موجهة ومنكبة أساسًا نحو التحقيق في بنية الحلقات والحقول والجبر وما شابه ذلك.
لا يسعنا إلا أن نتساءَل فقط كم كانت قد اختلفت حياة غالوا واختلف تاريخ الرياضيات معه فيما لو لقي بحثه الأوّل الاهتمام المطلوب من قِبل علماء عصره، وخصوصا أوغستَن لوي كوشي؟ و ماذا لو أن غالوا أهتم بالجبر والرياضيات فقط و تجنب السياسة؟ من بين كلمات غالوا الأخيرة طلب من صديقه شوفالييه:" رجاءً اذكرني، لأن القدر لم يمنحني حياةً تجعل اسمي جديراً بأن يخلد في وطَني." لكن غالوا كان مخطئا وجانبه الصواب في هذا، حيث لم يخلد إسمه في موطنه الأصلي بعد وفاته فقط، ولكنه كُتبَ في صفحات التاريخ الخالدة مع كبار العلماء والعباقرة الذين كان لهم الفضل في تطور حضارتنا الإنسانية.
منقول