ذكرى وفاة الخليفة العباسي أبو العباس السفاح.
ضعفت الدولة الأموية وتفككت، فوحد السفاح البلاد وأسس الدولة العباسية، ولأعماق الصين فتوحاته وصلت
ففي مثل هذا اليوم.
-
توفي الخليفة العباسي الأول أبو العباس السفاح "الخليفة الثائر".
-
وذلك في 14 ذي الحجة 136 هجري
الموافق في تاريخ 754/06/10 م
-
-
نشأته
-
-
هو أبو العباس عَبْد الله بن محمد بن علي بن عَبْد الله بن العباس بن عَبْد المُطَّلِب القرشي الهاشمي، وأمه هي ريطة الحارثية، ولد في الحميمة من أرض الشراة من البلقاء في الشام في أيام حكم الأمويين عام 104 هـ الموافق 721م، وكان في شبابه محبا للأدب والشعر وماهرا في الصيد.
-
-
صفاته.
-
-
كان السفاح أبيض، جميلا، طويلا، أقنى الأنف، جعد الشعر، حسن اللحية، حسن الوجه، فصيح الكلام، حسن الرأي، جيد البديهة.
-
-
حال الدولة الأموية قبل الثورة العباسية
-
-
كانت الدولة الأموية دولة قوية في عهد عبد الملك بن مروان وإبنه الوليد، ولكن بدأ الضعف يدب بها في عام 740م حيث إنفصل المغرب العربي عنها بقيادة ميسرة المطغري، ووصل الخزر إلى الموصل، وخسرت كامل الهند، ووصل البجة إلى سوهاج في مصر، وانحل عقد الدولة بعد وفاة الخليفة الأموي هشام فأصبح الخلفاء الأمويين يقتلوا وينقلبوا على بعضهم فيزيد الناقص قتل الوليد الثاني، ومروان الثاني انقلب على ابراهيم ونبش قبر يزيد الناقص، وسجن مروان أهم 11 امير اموي ليستفرد في الحكم ثم أعدم اول 10 منهم، فانشق البيت الاموي، واما الأمراء الأمويين الذين سجنهم الخليفة الأموي مروان الثاني هم:
- العباس بن الخليفة الوليد بن الخليفة عبد الملك بن مروان.
- بشر بن الخليفة الوليد بن الخليفة عبد الملك بن مروان.
- ابراهيم بن سليمان بن الخليفة هشام بن الخليفة عبد الملك.
- عبد الله بن الخليفة عمر بن عبد العزيز
- خالد بن الخليفة يزيد بن الخليفة الوليد بن عبد الملك
- الوليد بن الخليفة يزيد بن الخليفة الوليد بن عبد الملك
- شراحيل بن مسلمة بن الخليفة عبد الملك بن مروان
- سعيد بن الخليفة هشام بن الخليفة عبد الملك
- عثمان بن سعيد بن الخليفة هشام بن الخليفة عبد الملك
- مروان بن سعيد بن الخليفة هشام بن الخليفة عبد الملك
- زياد بن عبد الله بن الخليفة يزيد بن الخليفة معاوية بن أبي سفيان.
ونتيجة ذلك خرجت حمص وفلسطين بقيادة نعيم الجذامي الذي تمرد على الأمويين، وتشتت خرسان بين القبائل، وكثر تمرد الخوارج في العراق، ووصلت الفتنة إلى غوطة دمشق.
-
-
الثورة العباسية ضد الأمويين
-
-
إستغل العباسيين ضعف الأمويين، وقد كان للعباسيين تنظيم سري واسع منذ عام 687م، ويدعم هذا التنظيم أحقية بنو هاشم في الحكم، والأخذ بثأر من قتلهم الأمويين من آل البيت، وأهمهم الحسين بن علي بن ابي طالب (ر) والذي قتل مع 70 شخصا من أسرته الهاشمية والهاشمي زيد بن علي ثم إبنه يحيى بن زيد.
-
وتولى قيادة التنظيم العباسي السري علي السجاد بن عبد الله بن عباس (ر) حتى عام 736م، ثم محمد الكامل بن علي السجاد حتى 743م ثم إبراهيم المفجر بن محمد الكامل، والذي أعلن الثورة العباسية في عام 746م، وذهب السفاح إلى اليمن لإقناع رؤساء القبائل فيها بتأييد الثورة، واستطاعت الثورة العباسية السيطرة على خرسان وفارس، ولكن تم القبض على الإمام ابراهيم وتم إعدامه في السجن في عام 747م، فتولى أبو العباس السفاح قيادة الثورة.
-
-
تأسيس الدولة العباسية
-
-
في عام 749م دخلت الجيوش العباسية إلى الكوفة وظهر أبو العباس السفاح، معلنا قيام الدولة العباسية في خطبة بليغة، وكان عمره أنذاك 28 عاما، وبذلك تحولت الدعوة العباسية على يديه إلى دولة.
-
وأما خطبته فهي:
((الحمد لله الذي جعل الإسلام لنفسه ديناً، وكرمه وشرفه وعظمه، واختاره لنا، وأيده بنا، وجعلنا أهله وكهفه، والقوام به، والذابين عنه، والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحق بها وأهلها، خصنا برحم رسول الله وقرابته، ووضعنا بالإسلام وأهله في الموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتاباً يتلى، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، وقال: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، وقال: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، وقال: ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ﴾، فأعلمهم عز وجل فضلنا، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وتفضلة علينا، والله ذو الفضل العظيم، وزعمت السبابية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم، أيها الناس بنا هدى الله بعد ضلالتهم، ونصرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحق، وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً، ورفع بنا الخسيسة، وأتم النقيصة، وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دنياهم وإخوانا على سرر متقابلين في أخراهم، فتح الله علينا ذلك منة ومنحة بمحمد، فلما قبضه إليه، قام بذلك الأمر بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم، فحووا مواريث الأمم فعدلوا فيها، ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصاً منها، ثم وثب بنو حرب ومروان، فابتزوها لأنفسهم وتداولوها، فجاروا فيها، واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حيناً، ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾، فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا، ورد الله علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وتولى أمرنا والقيام بنصرنا، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله، يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا، ومنزل مودتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح الهائج، والثائر المبير)).
-
ومن كلمته "فأنا السفاح" أصبح لقب السفاح مرتبطا به، واتخذ من مدينة الكوفة عاصمة له، ولاحقا أسس مدينة الهاشمية واتخذها عاصمة، وتقع الهاشمية حاليا في ناحية الصقلاوية بمحافظة الانبار العراقية.
-
-
القضاء على الأمويين
-
-
بعد سيطرة العباسيين على خرسان وفارس والعراق توجهت جيوشهم نحو بلاد الشام بقيادة عبد الله بن علي العباسي، ووقعت معركة زاب بين الموصل وأربيل عام 750م والتي بها إنتصر 20000 عباسي على 120000 أموي، فهرب الخليفة الأموي مروان من المعركة وتوجه نحو مصر واختبأ في كنيسة في قرية بوصير قرب الفيوم، ولكن عثر عليه العباسيين بعد أشهر وقتلوه.
-
ثم بعد معركة زاب خضعت بلاد الشام وباقي البلاد للحكم العباسي، باستثناء دمشق التي حوصرت وقتل فيها عدد من الأمراء الأمويين، وكان مجموع من قتل من بني أمية على يد العباسيين حوالي 200 أمير مقسمين لحوالي 120 أمير في معركة زاب وحصار دمشق و 80 أمير عند نهر أبي فطرس على يد عبد الله بن علي العباسي.
-
-
الانتصار على الصينيين.
-
-
في سنة 133 هجري الموافق 751م حدثت معركة طلاس التي فيها إنتصر الجيش العباسي على الجيش الصيني إنتصارا ساحقا ووصلت الفتوحات العباسية إلى أعماق الصين، ولمواقع لم يصل لها جيشٌ قبله.
-
وكان الصينيون قد استغلوا ضعف الدولة الأموية في نهايات عهدها فتقدموا في آسيا الوسطى، وبعد وصول العباسيين للحكم أرسل الخليفة العباسي أبو العباس السفاح جيشا عدده 30000 مقاتل بقيادة القائد زياد بن صالح الحارثي، والتقى مع الجيش الصيني وعدده 91000 مقاتل بقيادة الجنرال جو سونجي والتقى الجيشان في منطقة طلاس التي تقع اليوم في قيرغيزستان.
-
واشتبكت الجيوش العباسية مع الجيوش الصينية، وحاصر فرسان العباسيين الجيش الصيني بالكامل وأطبق عليه الخناق مما أدي الي سقوط الآف القتلى من الجانب الصيني، وهرب الجنرال جو سونجي من المعركة بعد أن خسر زهرة جنده.
-
وكانت هذه الهزيمة من أشد الهزائم في التاريخ الصيني، حيث قتل في المعركة من الجيش الصيني حوالي 50000 مقاتل وأسر 20000 مقاتل، وتوغلت الجيوش العباسية وفتحوا باقي بلاد تركستان وبلاد الكش، ووصلوا إلى أعماق الصين لمناطق لم يصل لها أحد قبلهم، ومن الناحية الحضارية نقل الأسرى الصينيين سر صناعة الورق، لتكون هذه أداة بيد العباسيين في صنع التقدم العلمي وخلق العصر الذهبي.
-
-
تمرد عُمان
-
-
في عام 135 هـ الموافق 753م ثار خوارج عُمان الإباضيين بزعامة شخص يدعى الجُلُنْدي، فأرسل له السفاح جيشًا كبيرًا بقيادة خازم بن خزيمة، وقد تمكن من القضاء عليهم.
-
-
أسرته
-
-
تزوج من أم كلثوم بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ولم ينجب منها، وأصبح والدها والياً على مكة والمدينة في زمن المنصور والمهدي.
وتزوج أيضا من أم سلمة بنت يعقوب المخزومية، وأنجبت له ابنه محمداً الذي أصبح واليا على بلاد الديلم زمن المنصور، وأنجبت له أيضا ابنته ريطة التي تزوجت من الخليفة العباسي محمد المهدي، وكان للسفاح ولد بالتبني وهو الأمير الأموي سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك.
-
-
وفاته.
-
-
نظر السفاح في المرآة، وكان السفاح جميل الوجه، فقال: «اللهم لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك: أنا الخليفة الشاب، ولكن أقول: اللهم عمرني طويلًا في طاعتك، ممتعًا بالعافية»، فعندما أنهى كلامه سمع غلامين يتحادثان، فقال غلام لآخر: «الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام»، فتشاءم السفاح من كلامه، وقال: «حسبي الله، لا قوة إلا بالله، عليه توكلت وبه أستعين»، فمات بعد شهرين وخمسة أيام.
-
حيث اشتد عليه مرض الجدري، فمات في في 14 ذي الحجة 136 هجري الموافق في تاريخ 754/06/10 م، ودفن غي مدينة الهاشمية وهي العاصمة العباسية التي أسسها، وتقع اليوم في الصقلاوية في محافظة الأنبار.
-
وقيل إن آخر ما تكلم به هو: «الملك لله الحي القيوم، ملك الملوك، وجبار الجبابرة»، وكان منقوش على خاتمه (الله ثقة عبد الله)، وقد ترك تسع جبات وأربعة أقمصة وخمس سراويل وأربعة طيالسة وثلاث مطارف خز، وتولى الخلافة من بعده أخيه الأكبر أبو جعفر المنصور.
**** المصادر:
1) الثورة العباسية، فاروق عمر فوزي
2) مروج الذهب،المسعودي
3) تاريخ الخلفاء، السيوطي
4) البداية والنهاية، ابن كثير
5) الكامل في التاريخ، ابن الأثير
6) سير اعلام النبلاء، الذهبي
****************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري.
****************