الكتابة بعيداً عن الأوطان
تتضمن فعاليات الدورة الحالية لمعرض الشارقة الدولي للكتاب ندوة تحت هذا العنوان، أقيمت قبل يومين بمشاركة كل من الأكاديمي والشاعر العماني د. هلال الحجري، والأدباء: د. همدان حماج من اليمن، سمر يزبك من سوريا، بتول الخضيري من العراق، وآخر ثلاثة مقيمون في المهجر. وبعد تأطير أكاديمي رصين للموضوع قدّمه الدكتور الحجري، تناول فيه مفاهيم المهجر والمنفى والشتات، مع الوقوف عند أدب المهجر في بداية القرن العشرين على أيدي عدد من أدباء بلاد الشام، وكذلك عند ما كتبه المفكر والناقد إدوارد سعيد حول الموضوع، تحدث الأدباء الثلاثة الآخرون عن تجاربهم في الكتابة في مهاجرهم.
علينا، أولاً، ملاحظة أن الثلاثة قادمون من بلدان مختلفة، مرّت وما زالت بظروف قاهرة، في مقدمتها الحروب المدمّرة، حملتهم على مغادرة أوطانهم، اضطراراً في الغالب، ويلفتنا في حديث الأديبة العراقية بتول الخضيري إشارتها إلى أنها، وهي لما تزل في وطنها، عانت شعوراً بالغربة الداخلية، إن صحّ هذا الوصف، ولنا أن نتخيل أن المنفى، أو المهجر، لم يبدد هذا الشعور أو ينهِه، وإنما ضاعفه وأضاف عليه أبعاداً جديدة، ليحضر الوطن الذي بات بعيداً بقوّة، لا في مشاعرها وحدها، وإنما في كتابتها أيضاً، وهل بوسعنا أن ننسى بيت الشعر العربي القديم القائل: «بلادي وإن جارت عليّ عزيزة/ وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام»، وهو بيت اختلف الناس حول من يكون قائله، فبينهم من نسبه إلى أبى فراس الحمداني، ومنهم من قال إنه لشاعر من لبنان، فيما قال آخرون إنه لأحمد شوقي، فيما رجّح آخرون أن يكون قائله الشريف قتادة أبو عزيز المتوفى عام 617 للهجرة، ويظل العلم اليقين عند الله.
في الندوة المذكورة أشار د. حماج إلى أن المهاجرين العرب غالباً ما يختارون أحياء بعينها للسكنى فيها، فيظل المحيط من حولهم شبيهاً بالبيئة التي أتوا منها، في العادات والتقاليد والطقوس، وحتى وجبات الأكل، ما يقلل من شعورهم بالغربة، حتى يكادوا يشعرون بأنهم لم يغادروا أوطانهم.
لا نستطيع أن نقطع بأنه يمكن «استنساخ» الأوطان في المهاجر، ولكن ما نستطيع أن نقوله بدرجة من الثقة، حكماً مما قرأناه من روايات عربية كتبت في المهاجر، إن الأوطان، كفضاء مكاني روائي، هي الحاضر الأكبر، كأن المهجر أو المنفي أو المشتت، أياً كان التصنيف، يظل مسكوناً بالحنين للوطن الذي نأى عنه، وعاجزاً عن «الخلاص» أو «التحرر» من ذاكرة هذا الوطن حتى لو كانت باعثة على الأذى في نفسه، فلا جذورَ أخرى قد نبتت له في المهجر، حتى وإن طالت فيه إقامته.
https://www.alkhaleej.ae/2023-11-11/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%8B-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B7%D8%A7%D9%86/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7