الأطفال مزعجون بطبعهم وأشرار.. إنهم يتمتعون بالخسة والشراسة كأي سفاح. هناك طباع وقحة لا يمكن أن تجدها إلا لدى قراصنة الكاريبي أو في حانات بيرو أو لدى الأطفال. أنا أعرف هذا وأؤمن به لكني لا أعلنه.. وأعتقد أحيانًا أن سفاحي الأطفال أشخاص طفح بهم الكيل لا أكثر..
أذكر بجلاء ذلك الطفل من أصدقاء الأسرة، الذي تسلل لغرفة مكتبي فمزق مجموعة من الأوراق العلمية المهمة جدًا، ثم أمسك بشريط كاسيت كنت احتفظ عليه بمجموعة ذكريات جميلة، فمد أنامله وعقد الشريط وهو داخل العلبة، ثم انبرى إلى مصباح صغير أهدته لي أختي التي توفاها الله.. أهدته لي منذ ثلاثين عامًا.. فهشمه لينعم بلذة رؤية شظايا الزجاج.. عندما دخلت غرفتي ورأيت هذا المشهد كان على زوجتي أن تفعل معي ما يفعله مدرب السيرك مع الأسد الراغب في تمزيق الجمهور..
ابتاع أحد أصدقائي سيارة حديثة ممتازة. هناك تقف تتألق في الشمس كأنها حسناء. لا. لا توجد فتاة حسناء بهذا السحر أبدًا. جاء صديق للأسرة ومعه أطفاله فدعاهم صديقي للصعود إلى سطح البناية التي كان يبنيها.. هكذا يمكنك أن ترى السيارة الحديثة في لقطة بانورامية رائعة. هناك في الشمس وقف الرجلان يمزحان ويتكلمان.. فجأة دوى صوت تهشيم عالٍ. هرعا في ذعر يتبينان مصدر الضجة فتبين أن ابن الصديق قد حمل قالب طوب عملاقًا ثم تركه يهوي من أعلى.. يهوي ليهشم كل زجاج السيارة الأمامي مع اعوجاج جزء لا بأس به من قوائمها..
- «يا لك من قليل الأدب!»
قالها أبو الصبي ووجه له صفعة، فهرع صاحبي يمنعه وهو يقول بصوت مخنوق:
- «يا أخي لم يتعمد هذا. إنه مجرد طفل.. أخذت الشر معها..!»
إلى آخر هذا الكلام الفارغ..
فيما بعد قال لي في صدق: تمنيت لو كان الصبي هو الذي سقط من أعلى، وهو الذي هشم الزجاج برأسه!.. هذا هو التعويض الوحيد لي. كان عليه أن يواجه حقيقة أن السيارة الجديدة الجميلة لم تعد كذلك.. لا أحد يستطيع استعادة حالة النضارة والبكارة الخاصة بالمصنع أبدًا..
لطفاء فعلاً هؤلاء الأطفال..
إليك الموقف التالي: لقد تذكرت أنني نسيت تلك الأوراق المهمة جدًا على مكتبي في العمل، وأريد أن أطلب من صديقي أن يأخذ هذه الأوراق بمجرد أن يصل للمكتب، لأنني لن أكون موجودًا غدًا.. أنا قلق ومجنون.. سوف يخرب بيتي لو لم يفعل صاحبي ذلك.. ترد زوجة صديقي على الهاتف.. علاء موجود فعلاً وسوف أناديه.. لكن ... رامي يريد أن يكلمك أولاً...
وأسمع صوت طفل.. رامي هو ابن صديقي الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام - رامي وليس صديقي- الذي تقرر الزوجة أن تتركني تحت رحمته. يتسلى علي لمدة نصف ساعة.. بين تأتأة وغناء وشهيق وزفير.. ثم:
-«إمبالح القطة. والعاوو كانوا حياكلوا تيتة ... هي هي»
ويحكي قصصاً طويلة جدًا وأنا موشك على الجنون.. يحكي عن العاو وتيتة وأعرف أنه يحب الأرز والمكرونة ولا يحب البازلاء و....
هل أضع السماعة ؟
- «هات بابا يا رامي»
- «بابا ضرب رامي .. بابا ضرب رامي»
لا أعرف ما أفعله سوى أن أطلق أصواتًا مضحكة من حلقي وأنا موشك على الجنون. هات بابا يا حبيبي.. الأمر عاجل أرجوك.. في النهاية وبعد عشر سنوات أسمع صوت صديقي يضحك.. مرحبًا.. أرجو ألا يكون رامي قد ضايقك.. يعشق الهاتف جدًا.. لماذا اتصلت ؟
أعتصر ذهني محاولاً تذكر سبب المكالمة فلا أستطيع.. كان هناك شيء مهم جدًا وقد نسيته..
في النهاية أقول له أن يعطي السماعة لرامي لـ«أناغشه» قليلاً..
الأطفال أحباب الله.. من الوغد الذي يجرؤ على كراهيتهم ؟
― مقال "نادِ بابا" للدكتور أحمد خالد توفيق.
* نُشر في مارس ٢٠١٢م.