صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

كل يوم حكاية
12- نور التترية (2-2)

حكينا عن معركة مرج الصفر بين المصريين والتتار واللى انتصر فيها المصريين بقيادة السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 1303 م وان الجندى احمد النبال المصرى وجد طفلة وامها تتريين وقبل ماتتوفى الام طلبت منه يقسم على تربية بنتها نور وسلمته كيس ذهب ينفق منه عليها وصندوق صغير مغلق طلبت منه يفتحه لما بنتها تتم 15 سنة ويكون لها الحق ان تتصرف فيه كما تشاء

عندما بلغت نور 15 سنة سلمها احمد النبال الصندوق المغلق كما هو وفتحته بنفسها لتجد كمية من المصوغات والمجوهرات واضح انها كانت بتاعة والدتها وكانت تساوى ثروة عظيمة طبعا البنت فرحت وارادت ان تعبر عن وفائها للراجل اللى انقذ حياتها واتبناها ورباها كأنها احدى بناته وكمان للبلدة اللى عاشت فيها منذ ان اصبحت مصر وطنا لها فباعت جزء من المجوهرات ووزعت على المحتاجين الفقراء

من اهل البلدة وخصت اسرة احمد النبال بمال محترم وكمان كل بطل من ابطال النحريرية اللى شاركوا فى معركة مرج الصفر ولسه على قيد الحياة خصصت له معاش دائم وبقت نور التترية حبيبة لكل اهل البلد وغير كده ساعدت ناس فى اصلاح بيوتهم واشغالهم ومش كده وبس دى شاورت احمد النبال انه يعمل مصنع للاسلحة للاقواس والسهام ويبقى بتاعه

لذلك يوم زواج السلطان الناصر محمد من الاميرة التترية كانت البلد كلها فى عيد وزينات وافراح واجتمع الابطال اللى حاربوا فى مرج الصفرليتذكروا ذكريات المعركة اللى كانت من 17 سنة واقامت البلد مهرجان كبير لسباق الفرسان والمصارعة ورمى السهام والمبارزة بالسيوف وفى الوقت نفسه دعوا امير المنطقة الغربية زى المحافظ حاليا الامير شمس الدين لمشاركتهم بهجتهم وكان شمس الدين ايضا امير الجيوش المصرية

وكان له افضال على البلد والمنطقة كلها من شق الترع وانشاء المساجد والكتاتيب والحدائق والبساتين والخانات وورش العمل وكانوا بيحبوه فتمت دعوته لمهرجانهم ولأنه كان يقيم بالأسكندرية اللى كانت ضمن سلطاته وافق على المجىء وفعلا وصل وشاركهم افراحهم

كان شمس الدين سنقر امير مملوكى قوى وشهير وبطل عظيم وكان عارف حكاية نور التترية وهى طفلة واللى عملته مع اهل بلدها لما كبرت وكان بيحترم جدا ماعملته ولما وصل البلد وجد موكب فى انتظاره للترحيب به كانت فى مقدمته نور التترية على هودج وكانت تلبس حلة تترية مزركشة بالفضة والقصب وتضع خمارها وعندما استقبلته لتحيته ووجد ثغرها الباسم وعيناها الساحرتان ووجهها الجميل وقع فى غرامها وعندما انتهى المهرجان كان فى فجر اليوم التالى يتفدم الى احمد النبال طالبا يد نور التترية لتكون زوجته وان تشاركه اسمه ومقامه ومكانته

وعند اخذ رأيها وافقت وتم الزواج فى احتفال عظيم حضره افراد الاسرة واعيان المنطقة وابطال مرج الصفر واهل البلدة جميعا
وبعد الزفاف والذى منه بقى معها عدة ايام امتدت الى اسبوعين ينهلان من العسل لكنه تذكر انه يجب ان يعود الى الاسكندرية مقر الحكم فطلب من نور ان تستعد للسفر معه الى قصره هناك لكنه فوجىء بها ترتعد وطلبت منه ان يرسل فى طلب احمد النبال وزوجته وبناته وعندما حضروا جميعا جلست هى وزجها وقالت ان هناك سر حفظته من سنوات ولكن جاء الوقت الذى يجب ان تعلنه

قالت هذا واشارت الى ورقة صغيرة مطوية فى يدها ثم اكملت وصوتها يرتجف ان اسرتها احمد النبال وزوجته وبناته يعلمون ان كثيرين من شباب البلدة ومن ابناء الامراء تقدموا للزواج منها من قبل ولكنها كانت ترفض مجرد التفكير فى الامر وكانت تقول لهم انها وقفت ثروتها وحياتها على اعمال البر والخير وان اسرتها تعلم انها كانت ترفض دائما الخروج من البلدة وانها لم تعرف من مصر منذ ان اتت اليها الا النحريرية وحقولها واهلها وانها رفضت الزواج والخروج من البلدة لسبب معين مكتوب فى هذه الورقة الصغيرة باللغة التركية التى كانت مطوية داخل الصندوق المغلق وجدتها تحت المصوغات والجواهر وقالت لقد قرأته من يومها ولكنى لم اهتم بما مكتوب فيه وعرضته على والدى احمد النبال واخواتى البنات ونسيه الجميع لكنى ظللت اذكره واحتفظ به وانا تترية ونحن قوم نؤمن بأقوال العرافين والمنجمين فى كل تصرفاتنا وورثت ذلك فى دمائى ولكنى شعرت بدافع خفى يدفعنى الى قبول الزواج من الامير شمس الدين وان ارحل معه الى حيث يريد بالرغم من هذه الورقة

قالت نور هذا واعطت الورقة الى شمس الدين بينما تمتم احمد النبال انه فعلا تذكر هذه الورقة ولكنه لايعتقد انها تستحق القلق والاضطراب وكان شمس الدين قد امسك الورقة وقرأها :" لاتربطى حياتك بحياة رجل ولاتخرجى من مكان انتى فيه بعد ان تتمى سن بلوغك واذا فعلتى احد الامرين اوكلاهما فالموت يترصدك ولن تستطيعى منعه "
وتبادل الجميع النظرات وساد المكان سكون رهيب ثم تحدثت نور انها خالفت النصف الاول بزواجها وهنا قاطعها زوجها شمس الدين قائلا :" ولكنى ارجو منك الا تخالفى النصف الثانى وستبقين مقيمة هنا فى النحريرية واقيم انا معك بقدر ماتسمح به ظروف عملى "

وعاشت نور فى بلدها وكان زوجها يزورها ويعاونها فى تنمية ثروة النحريرية وبسط الرخاء على سكانها ولكن الاقدار كانت تخبىء مفاجأة للفتاة الطيبة
فقد سمع السلطان الناصر محمد بالتقدم والرخاء الذى حدث فى النحريرية ووصله حديث الناس عنها وعن ازدهارها وانها اصبحت افضل من اى مكان فى مصر فارسل الى الأمير شمس الدين يطلب منه ان يتنازل له عن البلدة لتصبح ملكه على ان يعطيه الثمن الذى يريده لتصبح من املاك السلطان ليتفاخر بها ويظل اهلها يعيشون فى سعادة ورخاء دائم

ولم يكن فى وسع شمس الدين ان يرد للسلطان طلبا فاستجاب لرغبته وانتقلت النحريرية من يد شمس الدين الى السلطان الناصر محمد بن قلاوون صاحب العرش
وبالطبع كان لابد ان يرحل شمس الدين نهائيا من النحريرية الى مقره الدائم فى الاسكندرية ومن اخذ زوجته المحبوبة معه ولم يكن هناك مفر

قررت نور التترية الرحيل مع زوجها وترك الامر لله ووزعت ماتبقى من ثروتها جزء لأبطال معركة مرج الصفر الأحياء واسر الشهداء وتركت وقف خيرى للانفاق على الانشطة التى بدأتها لفقراء البلدة وودعت الاسرة التى تربت معهم وخرجت للمرة الاولى من النحريرية ولم اكن تعلم انه الوداع الأخير
فقبل ان يصلوا الى الاسكندرية انزلقت رجلها فى النيل وغرقت وتحققت النبوءة وكان ذلك سنة 1327 م وقبل مرور سنة على وفاتها توفى زوجها شمس الدين حزنا على زوجته

منقول