ﻛﺎﻥ ﺟﺪﻱ ﻳﺸﺮﺏ ﻟﺒﻦ ﺍﻹﺑﻞ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺮﺏ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﻳﺨﻠﻄﻪ
ﺑﻌﺴﻞ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﺍﻟﻮﺍﺭﺩ ﺇﻟﻰ ﺑﻼﺩﻧﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻟﺤﻄﺐ
ﻋﻨﺪ ﻋﻮﺩﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻋﻰ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ .
ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺴﻠﻖ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻻ ﻟﻠﺘﺮﻳﺾ ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﺃﻏﻨﺎﻣﻪ
ﺍﻟﻀﺎﺋﻌﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﺎﺏ ﻭﺭﻳﺎﺽ ﺍﻷﻭﺩﻳﺔ، ﺛﻢ ﻳﺴﻘﻴﻬﺎ ﻣﻦ
ﺍﻟﺒﺌﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻔﺮﻫﺎ ﺭﻓﻘﺔ ﺁﺑﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺭﻳﻌﺎﻥ ﺻﺒﺎﻩ .
ﻟﻢ ﻳﺒﺮﺡ ﺟﺪﻱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺍﻟﺸﺮﻗﻲ ﺇﻃﻼﻗﺎً، ﻭﺭﻓﺾ
ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻨﻪ ﺭﻏﻢ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﺇﻗﻨﺎﻋﻪ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ ﺑﺎﻟﻨﺰﻭﻝ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻛﺎﻥ ﺟﺪﻱ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺟﻤﻞ ﻣﻦ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﺍﻟﺼﺤﻲ .
ﻟﻢ ﻳﺘﺬﻭﻕ ﺟﺪﻱ ﺍﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﻭﻟﻢ ﻳﺄﻛﻞ ﺍﻷﻃﻌﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﺮﻃﻨﺔ
ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻨﻘﻞ ﺑﺴﻴﺎﺭﺓ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ
"ﺭﺍﺣﻠﺘﻪ " ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻮﻋﻜﺔٍ ﺻﺤﻴﺔ،
ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺪﺍﻭﻱ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄﻋﺸﺎﺏٍ ﻳﺤﻔﻆ ﺃﻣﺎﻛﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ،
ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﺃﻋﻮﺍﺩ ﺍﻵﺭﺍﻙ ﻟﺘﻨﻈﻴﻒ ﺃﺳﻨﺎﻧﻪ .. ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻢ
ﺟﺪﻱ ﻓﻲ ﻣﺪﺭﺳﺔٍ ﻗﻂ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻔﺮﺱ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﻓﻴﻌﺮﻓﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﻱ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻭﻣﻦ ﺃﻱ ﻣﻜﺎﻥ .
ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺸﻖ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ، ﻭﻳﻌﺰﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺗﺎﺭ ﺍﻟﺒﺎﺳﻴﻨﻜﻮﺏ "
ﺍﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﻳﺮﻭِّﺡ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ
ﻧﻔﺴﻪِ ﻭﻳﺴﻠِّﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ .
ﺯﺍﺭ ﺟﺪﻱ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ، ﻭﺳﺎﺭ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ
ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻔﻆ ﻣﺴﺎﺭﻫﺎ ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻋﻰ ﺍﻹﺑﻞ .
ﻋﺎﺵ ﺟﺪﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺍﻟﺸﺮﻗﻲ ﻭﻣﺎﺕ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻨﺎﻝ
ﻣﻦ ﻋﻘﻠﻪ ﺃﻋﺮﺍﺽ ﺍﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ، ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺬﻛﺮ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﺮ
ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً، ﻛﺎﻥ ﻳﺼﻠﻲ ﺍﻟﻔﺮﻭﺽ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﻣﻊ
ﺟﻴﺮﺍﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ ﺃﺳﺴﻪ ﻫﻮ ﺑﺠﻮﺍﺭ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺟﻤﻊ ﺣﺠﺎﺭﺗﻪ
ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ .
ﻋﺎﺵ ﺟﺪﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺣﻴﺎﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ
ﺗﺴﻌﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً، ﻋﺎﺵ ﺟﺪﻱ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺨﺘﺎﺭﻫﺎ
ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻵﻥ ﻛﻮﺟﻬﺔ ﺳﻴﺎﺣﻴﺔ ﻟﺮﺣﻼﺗﻬﻢ ﻛﻠﻤﺎ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ
ﺍﻟﻬﺮﻭﺏ ﺑﺄﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﻣﻦ ﺿﻴﻖ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ
(منقولة)