منذ أكثر من عامين ظلّت عائلة الشهيد عبد الله الديك تعيش الانتظار بين زيارةٍ و أخرى ... مرّة كان يقرع زجاج الليل ... "ها أنذا ... إشعار بأنّني لا زلت حياً.." ، و مرة ستلحقه زوجته بطفلين و بعض الغداء ، قريباً سيلتقيهم بعيداً عن مطاردة الطائرة الزنانة ... و لاحقاً سيختفي من بين عشرات الجمود حافياً نحو الوعر ... و أخيراً سيُلقى جثّة ممزقة و بحذائين مقلوبين ، سبقه في امتطائهما بطريقة سليمة شوقه لاستراحة أخيرة ... "لم يسأل ماذا وراء الموت ... كان يحفظ خريطة الفردوس أكثر من طرقات الأرض..." ..
أتوا لاغتيال الجبال :
و عندما فرغ الجنود أخيراً من قتله و رفيق دربه وافي الشعيبي ، أتى من يبحث عن أيّ أملٍ بحياةٍ خلفته القذائف و الرصاص الذي تساقط كالمطر ، .. يقول شقيق الشهيد : "عندما حضر بعض الرجال من قرية قراوة بني زيد حيث استشهد عبد الله لم يجدونه و صديقه وافي الشعيبي في المكان الذي اختبآ فيه ... فقد علموا أنّ الجيش صار على بعد أمتارٍ قليلة و أنهم حدّدوا مكان وجودهم تماماً .... و أن وقت المواجهة قد حان ، لذلك و من هول سرعته ارتدى حذاءه العسكري بالمقلوب دون أن يتنبه لذلك .. و غادر التسوية التي اتخذوها ملجأ في الأيام الأخيرة التي سبقت استشهادهما في الثاني عشر من كانون ثاني ... و عند البحث عنهما و جد عبد الله و صديقه عند باب البيت مباشرة ..." ، تلا كل منهما الفاتحة و نطقا بالشهادتين و بدءا الهجوم بعد أن ظنت القوات الكبيرة التي أتت و كأنها "ستغتال الجبال" أنها قد أنهت على الشهيدين عندما دكت مكان اختبائهما المفترض .
بعض الرصاص ثم قليلاً من القنابل و إذا بالقذائف الصاروخية المعادية تجتاح جسديهما ... استشهد عبد الله تحت ثقل القصف بعد أن استخدمت القوات الموجودة كل ما لديها من أسلحة للإجهاز على كابوس يطاردهم منذ سنين .. لكنه لم يكن يملك القليل من الوقت كي يلقي ما تبقى من ذخيرة لديه ...
و يروي شقيقه حادثة انتشال جثته : "عندما أتى الرجال لإخلاء الجثث صرخ أحدهم لا تقتربوا ... كان عبد الله يقبض في يده على قنبلة يدوية لم يمهله الجنود ثواني أخرى لإلقائها فظلت حبيسة يده ... و راحوا يقلبونه رويداً رويداً كي لا تنفجر ... لقد كان وضع جثته سيّئاً حتى أن ثلاثة من الرجال استطاعوا لملمة أجزائه و حملها..." ، و شرد الشقيق مع خيال أخيه : "لقد كان قوي البنية و ضخم القامة ... شاب رياضي من الدرجة الأولى حائز على أحد الأحزمة في الكاراتيه و لاعب كرة سلة متميز ..." ...
شخصية قيادية ... و قدرة اتصال عالية :
قبل استراحة عبد الله يوسف الديك الأخيرة ، حياة حافلة أرهقت أجهزة المخابرات الصهيونيّة التي أعلنت في أعقاب اغتياله أنه يتولى مسؤولية كتائب القسام في منطقة سلفيت ، قد دأبت منذ أكثر من عامين على ملاحقته في الجبال و القرى و الطرقات بعد أنْ حوّلت بلدته كفر الديك إلى مسرح لعمليات الاقتحام في الليل و النهار على حد سواء .
و لم يكن جهد المخابرات الصهيونية في البحث عن عبد الله "أبو القسام" عبثيّاً ، إذ أن شخصية الشهيد و منذ صغره أهلته لتولي موقع قيادي في العمل العسكري و الجهادي و العمل الدعوي التثقيفي ، و يصف الشقيق شخصية أبو القسام قائلاً : "أكثر ما تميز به الشهيد حرصه على دينه و على الصلاة خاصة صلاة الفجر في المسجد ، إذ أنه و في كل أعماله الجهادية و غيرها كان يضع مرضاة الله أولاً ... إنسان قوي الشخصية لكنه في الوقت ذاته عطوف و متسامح مع الجميع و يملك قدرة عالية على بناء العلاقات ، حيث كان دائماً يدعو للحوار مع الآخر ، و يتميّز بعلاقات قوية مع أبناء التنظيمات الأخرى ، و دائماً كان يستغل هذه القدرة في بث أفكاره و تصدير فكره الديني الجهادي بأسلوب متميز ، يردد دوماً : "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة .." ، و قد استطاع عن طريق الحوار و الإقناع مساعدة العديد من الشبان على المداومة على الصلاة و الصيام ، كما تميّز في الجلسات الدينية التربوية التي كان ينظمها للشبان الصغار في مسجد البلدة الجديد حيث عمل مؤذناً لفترة ..." ، ابتسم علي الشقيق و كأنه يسمع "الله أكبر" بصوت أخيه : "لقد كان يملك صوتاً جهوراً و جميلاً يلفت انتباه كل من يسمعه ..." .
كاد أن يفقد حياته دون أن يعترف :
و يتحدث الشقيق الأكبر للشهيد عن أكثر المحطات التي أثرت في فكر الشهيد و سلوكه و هي تجربة اعتقاله : "لقد كان من دواعي سروري و ألمي في الوقت ذاته أنني عايشت عبد الله في معظم محطات حياته ... رافقته في رحلة اعتقاله الأولى ... كانت أقسى ما واجه الشهيد طوال حياته .." ..
و كان أبو القسام قد تعرض للاعتقال للمرة الأولى عام 93 ، و استمرت مدة عام و نصف تحت التوقيف دون أن تفلح أساليب التحقيق المتنوعة في إجباره على الاعتراف ، يضيف شقيقه في هذا الإطار : "أكثر ما يؤلم هو تذكر وضع عبد الله في السجن ، حيث تعرضنا للاعتقال معاً في التاسع عشر من أيلول عام 93 ، و تم اقتيادنا في حينها إلى مركز تحقيق سجن الفارعة ، و أخضع عبد الله للتحقيق مدة 18 يوماً ، تحت ظروف قاسية جداً ، أخبره المحققون أن هناك أربعة اعترافات تؤكد تورطه في عمليات ضد الجيش الصهيونيّ ، لم يكن يتجاوز التاسعة عشرة في ذلك الحين لكنه واجه كافة أشكال التعذيب ، و بعدما برز عناده بشكل واضح أمام محاولات المحققين انتزاع اعتراف منه وضع فيما يعرف بـ "غرفة الباطون" ، و التي هي عبارة عن صندوقٍ من الباطون لا تتجاوز مساحته المتر المربع وضع في وسطه كرسيّ و أجلس عليه عبد الله مدة تتراوح بين ستة ساعات و اليوم الكامل و أمامه شباك صغير ، يغيب الجندي و يعود ليسأله (هل قررت الاعتراف ؟) ، و في كل مرة يرد عبد الله بالنفي ، و عندها كان يساق مرة أخرى إلى حفلة تعذيب جديدة ، حيث تعرض للشبح مقيداً ، و الضرب على الرأس ، و الصدمات الكهربائيّة ، حتى أن المحققين في بعض المرات كانوا يضربونه بحديد مكيف الهواء المثبت على واجهة غرفة التحقيق" ..
وحشية عملية و على مدى ثمانية عشر يوماً أثرت بشكل كبير على وضع أبو القسام الصحي حيث راح يعاني من حالات تشنج مع فقدان التنفس . و يروي شقيقه الذي رافقه فترة سجنه في معتقل الفارعة حيث تمت عملية التحقيق ، و عند الانتقال إلى معسكر مجدو حيث استكملت مدة التوقيف : "في بعض المرات و لشدة صعوبة حالته ، كان جسده يتصلب بدون أي حركة ، كنت أبكي كي يستجيبوا لعلاجه ، و كان الطبيب عند نقله إليه يقوم بضربه ، و يضع كيساً من الورق على رأسه كي يوقف تدفق الأكسجين على الدماغ ..." .
السجن مدرسة :
مع الوقت راحت صحة عبد الله تتحسن شيئاً فشيئاً و مع ذلك لم تلن عزيمته ، "حاولت المخابرات أن توقعه في فخ الاعتراف بكافة السبل و استخدمت العنف و العصافير ، و على الرغم من وجود اعترافات عليه إلا أنه لم يقدم على الاعتراف أبداً ، و قد سئم القضاة مع الوقت جلسات المحاكم المتكررة دون فائدة ، لذا قرر المحامي في النهاية عقد صفقة مع المدعي العام ، بأن يقضي فترة عام و نصف بالإضافة إلى غرامة مالية و ينتهي الأمر ، و وافق المدعي العام في حينها فوراً بالرغم من الاعترافات التي أبلغه بها المحققون كانت تهدد بسجنه مدة قد تزيد عن العشرين عاماً .
كانت فترة اعتقاله في سجن مجدو من أكثر المحطات المميزة في حياته ، حيث استطاع طوال العام تقريباً ممارسة أنشطة كثيرة مثل الإعداد لجلسات حفظ القرآن ، و المباشرة بحفظ أجزاء منه و كان في تلك الفترة مؤذناً بارزاً في سجن مجدو ، كما أصبح مسؤولاً عن مجموعة من النشاطات الثقافية و الدينية الدعوية داخل السجن ، و خلال تلك الفترة تبلورت شخصيته العسكرية حيث وفرت له الأجواء للالتقاء مع نشطاء في أعمال الانتفاضة ، و تعرف من خلالهم على أسرار هذا العمل و اطلع على تجارب مختلفة لمعتقلين كانت لهم خبرة في عمليات المقاومة .
عقلية علمية :
و في العام 94 أفرج عن الشهيد ، و عاد ليمارس عمله الذي برع فيه بشهادة الخبراء ، حيث استطاع الإلمام بمجال التمديدات الكهربائية بعد أن خاض ثلاث دورات متقدمة و متخصصة في موضوع الكهرباء الصناعية ، و في كل مرة كان يحصل على المرتبة الأولى بين زملائه إذ أنه تميز بالذكاء و العقلية العلمية منذ صغره ، على الرغم من أنّ انخراطه في العمل الجهادي لم يتح له الفرصة في استكمال تعليمه الجامعي ، بعد أن حصل على الثانوية العامة .
عمل الشهيد عبد الله في فترة التسعينات مسؤولاً عن شبكة الكهرباء في البلدة ، إضافة إلى قيامه بتجهيز التمديدات الكهربائية لعشرات المنازل . و قد استطاع استثمار هذا العمل لاحقاً في عمله العسكري حيث برع في إعداد العبوات الناسفة التي تعتمد على التفجير بواسطة متحكم عن بعد .. يقول شقيق الشهيد : "أهم ما ميز أبا القسام خلال عمله مع جميع الناس هو حرصه على الحق و الأمانة ، لم يكن يظلم أحداً و لا يسمح لأحد أن يظلمه ، و كان يملك دفتراً صغيراً يدوّن فيه كل ما له و ما عليه حتى لا ينسى شيئاً ..." .
لم يعقه الزواج و الأطفال :
زواج عبد الله الديك عام 2000 و مع بداية الانتفاضة لم يقسم روح المقاومة في قلبه ، و على الرغم من أنّه رزق فيما بعد قسام و بيسان ، إلا أنه قرر متابعة الطريق ، "ظل عبد الله طوال حياته يحلم بالشهادة ، و لم يكن أمر الزواج ليثنيه عن تحقيق هذا الحلم ..." يقول شقيقه .
تجدد نشاط أبي القسام مع بداية الانتفاضة ، و عرف عنه قدرته العالية في تجنيد المقاومين و غرس أفكار القرآن و السنة الشريفة التعبوية و الجهادية في نفوسهم ، و مع الوقت ازداد رصيده الأمني لدى أجهزة المخابرات الصهيونية ، حتى اتخذت القرار بتصفيته عدة مرات لكنها كانت تفشل أمام قدرة الشهيد المميزة على التخفي ، "لقد كان يملك جرأة منقطعة النظير و قد استفاد كثيراً من تجربة سجنه مع معتقلين ذوي خبرة في العمل العسكري ، الأمر الذي وفّر لديه حساً أمنياً عالياً ، إضافة إلى جملة من الاحتياطيات الأمنية الكبيرة التي كان يوفّرها لنفسه قبل انتقاله من مكان لآخر .." يضيف الأخ .
صناعة عبوات و عمليات هجومية :
و منذ العام 2002 لم يعد أمر انخراط الشهيد أبي القسام في العمل العسكري طي السرية ، و قد اشتهر في المنطقة بأكملها بعد تنفيذه مجموعة عمليات عسكرية أدت إلى مقتل و إصابة العديد من المستوطنين خاصة على الطريق الالتفافية بمحاذاة مستوطنة "أريئيل" المجاورة لبلدته ، بعد وضع عبوات ناسفة من صنعه يتم التحكم بها عن بعد ، أو عن طريق الهجوم المباشر بالأسلحة الرشاشة على سيارات مستوطنين .. و قد رافق ذلك كله حنكة في التخطيط ، إذ أنه و في إحدى المرات قرر الهجوم على سيارة أحد المستوطنين المارين على الشارع الالتفافي ، و كان يعلم أن جيباً عسكرياً سيمر قبل سيارة لاستكشاف الطريق و تأمينها له ، فأعد خطة مميزة أوصلت احتجاجات المستوطنين في نتائجها إلى مكتب شارون نفسه ، فقد وضع على الجبل المواجه لمكان العملية مجموعة مساندة و توجه مع أحد مساعديه لتنفيذ العملية و كمن بجانب الشارع ، و عندما قطعت سيارة الجيب العسكرية مسافة استعد أبو القسام و مرافقه للقاء مركبة المستوطنين و هاجموها بأسلحتهم ، و في الوقت ذاته بدأت المجموعة المساندة بإطلاق النار في الجبل ، فظن الجنود في الدورية المستكشفة أن إطلاق النار يتم عليهم من الجبل فأخذوا بالرد دون أن يعلموا أن المستوطنين في السيارة الخلفية يغرقون في دمائهم . و في حينها اشتد حنق المستوطنين حيث حملوا السيارة التي هوجمت و وضعوها أمام مكتب شارون في القدس المحتلة احتجاجاً على تدني مستوى الجنود .
سنقطع رأسه و نحضره لكم :
و في هذه الفترة أعدت أجهزة الأمن الصهيونيّة بشكل جدي لتصفية عبد الله الديك لكنها فشلت أكثر من مرة ، و راحت تحول حياة عائلته إلى جحيم متواصل من الاقتحامات و عمليات ترهيب الأطفال و النساء اليومية ... يقول شقيقه : "في إحدى المرات التي اقتحم فيها الجنود منازل العائلة من أجل القبض على عبد الله ، كان الشهيد في منطقة قريبة ، و قد شاهد عملية الاقتحام بأم عينيه و في حينها أخرجوا زوجته و أطفاله و راحوا يهددونهم بالقتل ، و يخبروننا أنهم سيقطعون رأسه و يحضروه لنا بمجرد إلقاء القبض عليه . أخبرني عبد الله في حينها أنه كان سيقتحم المكان و يبدأ برش كافة الجنود الذين أخرجوا أطفاله و زوجته للعراء ... لكنه شعر بأن الأذى قد يطول عائلته فعدل عن الفكرة .." .
و تابع : "و في الفترة الأخيرة أصبح مجرد ذكر اسم عبد اله الديك يثير جنون الجيش الصهيونيّ في المنطقة ، حيث استطاع الاختفاء بطريقة ذكية و لمدة أيام في الجبال و الأحراش الممتدة بجانب كفر الديك و دير غسان و كفر عين ، دون أن تستطيع الوحدات الخاصة التي راحت تنتشر يومياً في تلك المناطق كشفه ، و ذات مرة استطاع الاختباء مدة عشر أيام في أحد الكهوف دون أن يعرف الجنود الذين تمركزوا فوقه مباشرة أنه تحتهم بعد عملية ملاحقة مضنية ..." .
و يضيف الأخ : "و في مرة أخرى استطاعت المخابرات العسكرية كشف مكان وجوده أثناء اجتياح مدينة سلفيت ، و وصلت فرقة الجنود أمام المنزل الموجود فيه و عندها اشتبكت مع شابين مسلحين في المنطقة ، و عندما استشهدا ظنت الفرقة أنها قتلت عبد الله ، لتكتشف لاحقاً أنه انسحب تحت غطاء رصاص الشهيدين ... و أنه لا زال حياً" .
و قد استطاع أبو القسام استغلال إلمامه بمجال التجهيزات الكهربائية في عمله ، حيث استطاع في أغلب الأحيان كشف أجهزة الرصد التي ترسلها الأجهزة الأمنية وراءه أثناء عمليات المطاردة من خلال ما يسمى بالطائرة الزنانة ، و التي تكشف أية ترددات يتم التقاطها في المنطقة ، و في إحدى المرات استطاع الشهيد التلاعب بهذه الطائرة ، حيث علم عند مشاهدتها تقترب من المنطقة التي كان فيها أنها استطاعت رصده ، و عندما أصبحت أكثر قرباً قام بفصل جهازه المحمول عن بطاريته الأمر الذي دفعها للابتعاد ، ثم أعاد تركيبه فعادت ، و راح يكرر الأمر و الطائرة تذهب و تعود .
تذكّر قسام و بيسان ... و بكى :
قبيل اغتياله بشهر تقريباً تعرض الشهيد لأصعب عمليات الملاحقة حيث استطاع الاحتلال كشف مكان وجوده و اللحاق به لمدة تزيد عن ساعتين في الجبال و الأحراش ، و بعد ذلك ألقى الشهيد بنفسه في إحدى أشجار البلوط التي تشتهر بها المنطقة و قام بفصل جهازه المحمول و ظل مختبئاً مدة زادت عن الست ساعات في الوقت الذي نشرت القوات الصهيونيّة أعداداً كبيرة من المشاة و استخدمت طائرات الهليوكوبتر و الاستكشاف ... يقول شقيق الشهيد إنّ أبا القسام أخبره عن هذه الحادث بالقول : "شعرت في حينها أنها المرة الأخيرة ... تذكرت قسام و بيسان .. و رحت أبكي ... و رجوت الله أن يحفظهم بعد استشهادي" ، لكن بعد ساعات طويلة شعر عبد الله أن المكان أصبح آمناً و استطاع الانسحاب بسرعة كبيرة .
أدعُ لي ..
في الجانب الإنساني من الشهيد عبد الله ، قلب رقيق و دمعات قريبة لا يستطيع منعها عند تأثره بأي مشهد ... كان يعلم أن حياة الجهاد اختارته و أنه دخل إليها حباً و طوعاً ... يخبرنا شقيقه أنه : "في الفترة الأخيرة قبل استشهاده كان يزورنا بشكل خاطف ، و كان يخبرني أنه لا يريد المكوث طويلاً لأنه لا يريد التعلق أكثر بصغاره ... لأنه يعلم أن هذا الأمر سيعيقه ..." ، و في المرة الأخيرة التي شاهد فيها العائلة قبّل صغاره و أبناء أخوته ..."قدّمنا له ماء زمزم أحضره لنا أحد الأصدقاء ، فشرب منه و قال أدعُ لي دائماً ، و طلب أن نسلم له على خالتي و عمتي و بعض الأقارب ... لقد كانت أجمل مرة رأيته فيها .. مضيء الوجه بجسد ضخم يفيض صحة ، و بلباس عسكري كامل" .
في المرة الأخيرة لزيارته شعر الأخ أن شقيقه رتب أحلامه بطريقة أخرى ... و قرر أن ينام أخيراً و لكن واقفاً ...
بقلم احمد سلمان
عضو جمعية عش رجب تره العجب الثقافيه