الخليل – تقرير خاص :
عندما كانت نفسه تتقاعس عن القيام لصلاة الفجر كان الشهيد رفيق محمد زياد قنيبي يعاقبها بأن يربط يديه في السرير ثم يضع ساعة المنبه فوق رأسه و يعيّرها على أذان الفجر و عندما كانت الساعة المنبّهة ترن على الميعاد كان يقوم رفيق و يفكّ قيده و بعدها يكون النوم قد هجر مآقيه ثم يذهب إلى صلاة الفجر راضياً عن نفسه .
و قد سمعنا في الأثر أن من لا يجاهد نفسه في صلاة الفجر لا يمكن لنفسه أن تشهِر سلاحاً أو أن تطلق في وجه المحتل طلقة واحدة … من هنا أدركنا كيف جاءت الجرأة الفائقة للشهيد قنيبي حتى استطاع الدخول إلى البؤرة الاستيطانية تل الرميدة وسط مدينة الخليل و هي من أكثر البؤر الاستيطانية تحصيناً و استنفاراً .
رجل البيت :
ولد الشهيد رفيق قنيبي في مدينة الخليل بتاريخ 22/4/1980م و هو من سكان حي الحاووز الثاني جنوب غرب المدينة ، لم يقدَّر له الدراسة حيث درس للتوجيهي ثم اتجه للعمل في (الدهان) و لشدة قلق أهله عليه حاولوا إقناعه بالزواج و قاموا بقراءة الفاتحة على إحدى قريباته و لكن الشهيد كان يقول دوماً إنه لا يطمح إلا إلى الجنة و لا يرغب إلا بحياة الحور العين .
كان الشهيد يحمل مسؤولية البيت خاصة و أن والده كان يعمل في الليل و ينام في النهار فكان أبناؤه لا يشاهدونه إلا قليلاً من الوقت و هذا ما جعل الشهيد يحمل مسؤولية العائلة كاملة ، و كان يعمل طوال وقته و يشرِف على تربية إخوانه .. و تقول والدته (أم رفيق) إنه كان ابنها البكر و كان دائماً يقول لها : "يا أمي عليك أن تلزمي إخواني و أخواتي بالصلاة في المساجد لأنها تربّيهم على الأخلاق و الآداب و الدين و الله لولا المساجد و شباب المساجد لما كنا على هذه الأخلاق" .
أخلاقه :
و تتحدّث أم رفيق عن طفولته قائلة إنه كان هادئاً منذ صغره و قد التزم بالصلاة في المساجد و كان إذا قدّم هدية إلى أحد كان يحرص أن تكون الهدية لها علاقة بالدين و الالتزام به أمثال الزي الشرعي و الأشرطة الإسلامية و أشرطة القرآن المرتل ، و كان يصوم كلّ اثنين و خميس من كلّ أسبوع ، و كان دوماً يقرأ القرآن و يستخدم أدعية خاصة و في ليلة الجمعة كان يقرأ سورة الكهف . و قد طلبت شقيقته منه شريط قرآن فأحضر لها المصحف الشريف كاملاً و مرتلاً ..
وصيته :
ترك الشهيد وصية كتبها لأهله و إخوانه و أصدقائه و أقاربه جاء فيها أنه يعتذر من والديه لأنه لم يستطع أن يلبي رغبتهم بالتراجع عن طريق الجهاد و الاستشهاد ، و أقسم بالله العظيم ثلاثاً أنه لا يستطيع أن يسلّم نفسه و لن يسلّم نفسه لأعدائه لأنه قرّر أن يعيش باقي عمره بعزة و كرامة ، و أضاف أنه سوف يشفي غليله من أبناء يهود بأشلائه و دمه و أقسم بأن أبناء يهود لن يمسّوا شعرة من رأسه ما دام حياً .
و تقول شقيقته رباب إن الشهيد كان تواقاً للجنة و لقاء الشهداء عز الدين مسك و باسل القواسمي و أحمد عثمان و رائد مسك و الكثير الكثير منهم ، و تضيف : "لقد كان يعلّق صورهم في غرفته و كان يدخل في هذه الغرفة ساعات طويلة و يغلق الباب على نفسه و يبقى يتأمّل فيها" .. و تضيف أنه تأثّر كثيراً بعد استشهاد باسل القواسمي و قد ظلّ طريح الفراش عدة أيام و أصبح جسده هزيلاً و امتنع عن تناول الطعام و كان يغلق الباب على نفسه . و كان كثيراً ما يتأثّر بأحداث الانتفاضة و الاغتيالات و سقوط الشهداء و الأطفال .
المطاردة :
تقول والدة الشهيد إنه كان يشارك بقوة في الانتفاضة و قد اعتقل لدى الجانب الصهيوني أربع مرات قضى في المرة الأولى (6) أيام تحقيق و في الثانية (40) يوماً و في الثالثة (3) أشهر أما الرابعة فقد قضى فيها (6) أشهر و خرج في شهر رمضان من العام الماضي . و كانت تهمته في كلّ مرة إيواء مطاردين و إلقاء الحجارة و زجاجات فارغة على دبابات الاحتلال .
و تضيف الوالدة أن الشهيد لم يكن مطارداً غير أن القوات الصهيونية كانت تحضر إلى البيت عدة مرات و تقوم بأعمال تفتيش و تخريب في أثاث المنزل و في كلّ مرة كانوا لا يجدون فيها رفيق في المنزل ، كانوا يتركون له بلاغاً عسكرياً للذهاب إلى ضابط المخابرات و لكن رفيق كان يرفض أن يسلّم نفسه للاحتلال مهما كان الثمن .
و قبل استشهاده بأسبوع كان الشهيد يجلس في شقة جدّه يستمع لمحاضرة لعمرو خالد ، و في هذه الأثناء انتقل الشهيد إلى شقته و إذا به يشاهد مجموعة كبيرة من جنود الاحتلال تأخذ مواقعها في محيط المنزل في منطقة الحاووز الثاني و عندها انسحب رفيق من الباب الخلفي ثم اختفى عن الأنظار و عندما دخل الجنود إلى المنزل و لم يجدوه أخذوا يحطّمون في الأثاث و يكسرون في محتويات المنزل و قالوا لوالدته عليه أن يسلّم نفسه .
و تضيف شقيقته رباب أنها "تتبّعت الشهيد و وجدته في أحد المنازل و كان نائماً يشع وجهه نوراً ، فقالت لإحدى قريباتها (هذا نوم شهيد) ، و بعد أن استيقظ رفيق عانقته بحرارة و لكن قال لي لو حصل لي شيء لا يوجد عليّ ديون لأحدٍ بل يوجد لي على بعض الذين عملت معهم مبالغ من النقود و سمى لي الأشخاص و المبالغ المطلوبة" .
و بعد ذهاب الجنود من المنزل عاد رفيق إلى المنزل ليطمئن على حالة الأسرة فقامت أمه و قام أباه بمناشدته لتسليم نفسه ، و تضيف أم رفيق أنها قالت له : "فكّر في حال الأسرة كيف سيغدو بعدك و كيف سيهدم المنزل .. و لكي أثنيه عن نيّته قلت له (لن أرضى عنك إذا أنت فعلت أيّ شيء أنا لا أرضاه) .. و هنا تبكي أم رفيق بحرارة و تقول : (ليتني لم أقل له هذا الكلام لأنه خلال الأيام القلية التي عاشها مطارداً كان يتألم بسببها و قد أشار إلى ألمه في وصيته و لكن رفيق كان على عجل من أمره و لا يريد أن يعتقله اليهود حتى يحافظ على سرّ إخوانه الشهداء و دعوته و يحافظ على كرامته خلال الأيام القليلة المتبقيّة له" ، و تقول إن آخر عبارة قالها لها : "لكم الله يا أمي و عليكم أن تصلّوا صلاة الاستخارة و تدعون الله لي" ..
و تضيف رباب أن رفيقاً كان لا يطمح إلا للشهادة و قد أبلغنا بذلك عدة مرات و لكن لم نتوقّع أن يدخل إلى تل الرميدة و يقوم بما قام به .. و تشير إلى أنها رأت رؤيا قبل استشهاده بأيام قليلة حيث شاهدت رفيقاً مع أحد أصدقائه يطلقون النار باتجاه جنود الاحتلال من بناية غير مسكونة و كان الشهيد يطلق النار و يركض باتجاه الجنود و هو يبتسم فعرفت أنه سوف يستشهد ، أما أم رفيق فقالت إنها صلّت الاستخارة و لكنها شاهدت في المنام أن والدها أهداها عدداً من (قدر اللحم) و قد وضعت في الثلاجة و هي ملفوفة باكياس بلاستيك فأدركت أن رفيقاً سوف يستشهد .
قصة الاستشهاد :
و بتاريخ 22/10/2003م و بعد صلاة الظهر ليوم الأربعاء كان الشهيد يخفي رشاشه تحت جاكيت كان يرتديه و كان يسير بالقرب من تربة اليهود أعلى تلة الرميدة .. و بحسب روايات شهود عيان فإن الشهيد سأل طالبة جامعية كانت تسير في الشارع إذا كان في أسفل الشارع جنود صهاينة أم لا فأجابته الطالبة (نعم هناك جنود ينتشرون في الشارع) ، و لكنها نصحته بأن يخلع الجاكيت حتى لا يقوم اليهود بإيقافه و تفتيشه و لكنه طلب منها أن تبتعد من المكان ثم صادف عدداً من طالبات المدارس عائدات إلى المنازل في نفس الشارع و أخبرنه بوجود الجنود بكثرة و لكنه قال لهن عليكن أن تبتعدن من هنا .
و في لحظات سريعة كان الشهيد يقتلع الجاكيت و يضع عصبة خضراء على جبينه بحسب روايات أصحاب المنازل الفلسطينية المحتلة في الموقع و قد اعتقد الناس أنه أحد المستوطنين يقلّد الاستشهاديين لأن المستوطنين يقلّدون الفلسطينيين (استهزاء) بهم في الكثير من الأحيان في الحي المذكور و لم تمضِ إلا دقائق معدودة حتى انطلق الرصاص ينهمر على رؤوس الجنود الذين كانوا بالقرب من البؤرة الاستيطانية فأصاب من كانوا على الأرض ثم أخذ يطلق النار باتجاه مجموعة من الجنود كانوا يتمركزون في الأعلى و قد أصيب الشهيد بالرصاص في قدمه و لكنه ركع على ركبتيه و ظلّ يطلق النار حتى استشهد .
و تقول أم رفيق إنها حينما سمعت أن استشهادياً دخل إلى حي تل الرميدة أحسّت بداخلها أن الاستشهادي هو رفيق ، و كانت حينها في إحدى العيادات من أجل علاج طفلها الصغير و قد أخذت تبكي بحرارة و أحسّت بألم حاد في المعدة و لكنها عادت مسرعة إلى البيت .. و تقول : "أخذت أجهزة و أمتعة الأولاد و ملابسهم و بعض الحاجيات الضرورية و بدأت أخرجها من المنزل و قد جاء أبو رفيق و قال إن الشهيد من كتائب الأقصى و لم يخبره أحد أنه رفيق" .. و تقول : "لم يطمئن قلبي و بعد ساعات قليلة حضر جنود الاحتلال إلى المنزل و قاموا بأعمال عربدة و تكسير و اعتقلوا أبو رفيق و صهره و نقلوهما إلى جهة غير معلومة ، و في منتصف الليل حضروا إلى المنزل الذي هو ملك لجدّ الشهيد و قاموا بإخراج كافة من في المنزل و قاموا بتفجيره" .
و تقول أم الشهيد إن من أخبرها باستشهاد رفيق كان شقيقها و قد أخذت (تهتف الله أكبر و لله الحمد) ، و لم تبكِ بل ذهبت لصلاة ركعتي شكر لله تعالى .
و تتساءل أم الشهيد : "هل يكتب لنا الأجر لصبرنا على أبنائنا ؟ .. و الله أني أشعر بأن الله أكرمني باستشهاد رفيق حتى أماثل أمهات الشهداء في الصبر و العطاء" .
و احتراماً لبطولته أقامت الحركة الإسلامية و الوطنية له مهرجاناً كبيراً تحدّث عن القاصي و الداني