في حقيقة الأمر أشعر بنوع غريب من المفاجأة عندما يقوم العرب في هذه الديار بالتعبير عن استغرابهم واشمئزازهم وامتعاضهم من العنصرية المتأججة في جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي، ويسود لدي الانطباع بأن العنصرية الإسرائيلية، وهي من المكونات الرئيسية للفاشية المقيتة والبغيضة، هي أمر جديد أو غريب على هذا المجتمع الذي يحافظ على تعاضده وتماسكه وكينونته وصيرورته مستعملاً سلاح نفي الآخر وعزله عن المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي قلباً وقالباً.
كنا سنقول ماذا جرى لو أن ما يسمى بمؤشر الديمقراطية نشر نتائجه في دولة لا تتشدق في الصباح والمساء بالديمقراطية، ولكنها عملياً تمارس أساليب العنصرية المؤسساتية والشعبية ضد أبناء الأقلية القومية العربية الفلسطينية، وهم بالمناسبة لمن خانته ذاكرته الأصحاب الأصليون لهذه الأرض. اثنان وستون بالمئة من اليهود الإسرائيليين يؤمنون في عقلهم الباطني بضرورة تحويل "إسرائيل" إلى دولة نقية من العرب، أي أنهم يعتقدون بأنه يتحتم على دولتهم طرد العرب من موطنهم ويطالبونها بالعمل الجاد على تحقيق عملية الطرد الجماعي، باعتقادنا فإن هذا المعطي هو تحصيل حاصل، فهذه هي النتيجة الحتمية لما اقترفته "إسرائيل" في العام 1948 عندما هجرت وشردت شعباً بأكمله وأقامت على أنقاضه كياناً، وعندما تجد الدولة المبررات والمسوغات لهذه الجريمة فلا يستغربن أحد من تحول العنصرية في "إسرائيل" إلى رافد حيوي في الحياة اليومية، لأنه عندما يتقمص الجلاد دور الضحية ويحول الضحية إلى الجلاد تنعكس هذه الأمور بشكل واضح وفاضح في التفكير الجماعي للأكثرية التي تربت وترعرعت على أفكار أقطاب الحركة الصهيونية الذين فرضوا على المجتمع الإسرائيلي المركب من قوميات مختلفة غير متجانسة في تفكيرها ونمط سلوكها، التسليم بمقولتهم الكاذبة بأن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
اثنان وستون بالمئة فقط من الإسرائيليين الصهاينة يريدون طردنا من بلادنا وأرضنا، ونشدد في هذا السياق على مفردة فقط، لإيماننا المطلق بأن الأغلبية الساحقة من اليهود الإسرائيليين يؤمنون في عقلهم الباطني بضرورة تحويل "إسرائيل" إلى دولة نقية من العرب.
علي أية حال، نعتقد أن النتائج التي أفرزها مؤشر الديمقراطية للعام 2006 هي نتائج خطيرة للغاية، واللافت أن ثمانين بالمئة من المستطلعة آراؤهم قالوا بالحرف الواحد إنهم يثقون ثقة كاملة بالجيش الإسرائيلي، وهذه النتيجة تدل على أن العسكرتاريا تسيطر على هذا المجتمع وتجعله مجتمعاً دموياً، لأن الجيش في هذه الدولة منذ قيامها وحتى اليوم يشن العدوان تلو العدوان ويقمع بصورة منهجية أبناء شعبنا في المناطق المحتلة عام 1967. بكلمات أخرى يمكن القول إن الجيش يسيطر عملياً على هذه الدولة، أو إن "إسرائيل" هي جيش يملك دولة وليست دولة تملك جيشاً.
التاريخ علمنا بأن الشعوب المتحضرة والتواقة للسلام تعارض كافة أشكال العنف والعدوان وتترجم هذا الأمر عن طريق المظاهرات الاحتجاجية، فالمظاهرات الجبارة التي تعم العواصم الغربية للإعلان عن رفضها القاطع للعدوان الإمبريالي لدولها على العراق، هي شعوب تريد الحياة لها ولغيرها، أما في "إسرائيل" فإن الجيش يحظى بالثقة الكاملة، وبالتالي لم نسمع عن مظاهرات اخترقت تل أبيب أو أية مدينة إسرائيلية احتجاجا على العدوان المستمر علي الشعب الفلسطيني. وللتذكير فقط فإن آخر مظاهرة شهدتها هذه الدولة كانت في العام 1982 عندما نفذت الكتائب اللبنانية بإيعاز وتواطؤ من "إسرائيل" المجزرة الرهيبة في مخيمي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا في لبنان. حوالي نصف مليون شخص شاركوا في المظاهرة التي نظمتها قوى السلام الإسرائيلية في تل أبيب والتي أجبرت الحكومة على تعيين لجنة تحقيق رسمية أوصت في نهاية المطاف بإقصاء وزير الأمن آنذاك اريئيل شارون من منصبه وقررت أيضاً منعه من تبوؤ منصب وزير الدفاع. ولكن تقهقر القوى السلامية الإسرائيلية بات جلياً للعين منذ زمن بعيد، ففي هذه الأيام عندما يقترف الاحتلال الجرائم البشعة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة فإن المجتمع الإسرائيلي يمر مر الكرام على ذلك، والأخطر من ذلك أن شارون الذي أقصي من منصبه في وزارة الأمن انتخب رئيساً للوزراء في ثلاث دورات متتالية، الأمر الذي يقطع الشك باليقين، أن المجتمع الإسرائيلي يؤمن بأن الأشخاص الأقوياء من وجهة نظره هم الأشخاص الذين يمكن الاعتماد عليهم. وعليه نرى حسب مؤشر الديمقراطية أن واحدًا وستين بالمئة من الإسرائيليين يوافقون على أن القادة الأقوياء أمثال شارون يساهمون أكثر بكثير في الحفاظ على الدولة من القوانين المعمول بها في هذه الدولة. وعندما يصبح الشعب أسير ما يسميهم بالقادة الأقوياء فإنه يتحول بطبيعة الحال إلى مجتمع تستشري فيه الفاشية.
اللجنه الا علا ميه بجمعية عش رجب تره العجب الثقافيه