الهجمة الصهيونية الجديدة على حركة حماس.. والأيادي العابثة
في أعقاب حادث جباليا في الرابع والعشرين من أيلول 2005، انقلب المشهد، وانتشر الفزع والألم، وطلت الفتنة برأسها، وكأن أحداً في الانتظار يريد أن ينال من المقاومة وطهارة سلاحها، ومعاقبة كل من وقف معها واحتضنها بزرع الشك والريبة بين أبناء الشعب الفلسطيني الذي مثلت فيه الوحدة الوطنية أحد عناوين الصمود الوطني في وجه الاحتلال الصهيوني الغاشم.
وبالنظر إلى حجم الأحداث وطبيعة الأهداف التي شهدها قطاع غزة والضفة الغربية من اغتيال وقصف لمقار ومؤسسات مدنية واعتقال أكثر من 400 فلسطيني من النشطاء السياسيين في الضفة في غضون عدة أيام بدءً من أحداث جباليا، فإن ذلك يشير إلى أن العنوان الذي جرى استهدافه تمثل في حركة حماس بكل مكوناتها العسكرية منها والسياسية والتربوية والاجتماعية دفعة واحدة، الأمر الذي يدل على أن ما حدث لم يكن مجرد ردة فعل على عدة صواريخ قسام سقطت على مستوطنة اسديروت، بل إن الأمر يأتي في سياق مخطط سبق التحضير له وشاركت فيه أكثر من جهة جمعها قاسم المصلحة في إضعاف حركة حماس وتشويه سلاح المقاومة..
فمن المعلوم أن شارون بُعَيد الانسحاب الجزئي من غزة، عمل على استثمار هذه الخطوة على أكثر من صعيد، فكان أحد أهم الأشياء التي سعى للترويج لها، هي عدم شرعية سلاح المقاومة انطلاقاً من أن الاحتلال قد انسحب من غزة، وفكك بعض المستوطنات في الضفة..، وفي هذا الاتجاه فقد نجح شارون في حشد التأييد لخطوته هذه، ومن ثم انطلقت المواقف والتصريحات خاصة على لسان الرئيس بوش واللجنة الرباعية في قمة الأمم المتحدة في منتصف أيلول/ سبتمبر 2005 تدعو إلى نزع سلاح حركة حماس، وتحريض السلطة الفلسطينية على مواجهة الحركة بذريعة أن حركة حماس المقاومة للاحتلال هي حركة إرهابية! ومع نهاية شهر أيلول الماضي عادت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس إلى التأكيد على ضرورة نزع سلاح حركة حماس، مشددة على أنه لا يستوي الأمر لحركة حماس أن تشارك في الانتخابات وهي تحمل السلاح ضد الكيان المحتل؟! وهو موقف تساوق بشكل مبطن مع ما أعلنه شارون من أنه سيتدخل في مجرى الانتخابات، وسيعيق مشاركة حماس فيها إذا لم "تتخل عن السلاح ولم تغير ميثاقها الداعي لتدمير "إسرائيل".
إذن ما جرى من أحداث دامية في قطاع غزة لم يكن عفوياً أو آنياً مبتوراً عن ما سبقه من تحريض هيأ الأجواء الدولية والإقليمية لما يمكن أن تشهده الأيام من هجوم على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو ما كان.
ولكن المثير في الأمر أن تياراً في السلطة الفلسطينية تساوق بأفعاله وأقواله مع المواقف الصهيونية والدولية المحرضة على الحركة بشكل سريع ومفاجئ، فمنذ اللحظة الأولى أي بعد أربعة دقائق فقط من حادث جباليا، اندفعت وزارة الداخلية الفلسطينية على لسان الناطق باسمها "توفيق أبو خوصة" لتحميل حماس المسؤولية كاملة عما حدث، ومن ثم توسيع دائرة الاتهام والتشويه للحركة بربط ما حدث بفوضى السلاح، وازدواجية السلطة وخرق "القانون"، وعدم المسؤولية!، في حملة إعلامية شرسة شُنت ضد الحركة في الوقت الذي تصاعدت فيه الهجمة الصهيونية على الحركة في كل أنجاء القطاع والضفة قتلاً واغتيالاً واعتقالاً وترويعاً لأبناء القطاع بالطائرات الحربية النفاثة والقصف المدفعي على منطقة بيت حانون شمال القطاع.
إضافة إلى ذلك، فقد حاولت أياد عابثة ـ في الوقت الذي تداعت فيه الأطراف للحوار لاحتواء الموقف ـ مساء يوم الأحد (21/10/2005) اعتقال "محمد" نجل الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي وإذلاله على أعين الناس، الأمر الذي دفع عشرات المواطنين للتدخل لمنع الاعتقال ومن ثم تفاقم الموقف وصولاً إلى الصدام المسلح الذي كانت تبتيغه وتسعى له فئات داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
أيادٍ عابثة:
عند الوقوف على مجريات الأحداث وآثارها، وإمعان العقل في من له المصلحة في الاقتتال وإثارة الفوضى. نجد أن المستفيد الأول هو الاحتلال، ومن ثم أياد عابثة تعيش على الفوضى والفساد والاصطياد في الماء العكر. وللدلالة والإشارة إلى هذه الأيادي المتسترة في عباءة السلطة والقانون والتي لها أجندة سياسية خاصة، نسوق جملة من الملاحظات لتسليط الضوء عليها:
· إن إعلان وزارة الداخلية عن موقفها من انفجار جباليا، جاء بعد أربع دقائق فقط من وقوع المجزرة، الأمر الذي يثير التساؤل والشك حول مصلحة من يتم الإعلان عن تحميل حركة حماس المسؤولية دون إجراء أي تحقيق يذكر في حينه.
· المؤتمر الصحفي الذي أجراه النائب العام السيد أحمد المغني (3/10/2005) في غزة حمل أكاذيب ومفارقات عجيبة. فقد قال وكيل النيابة العامة في المؤتمر أن إجراءات الكشف والمعاينة تتطلب بالضرورة معاينة السيارة التي تعرضت للانفجار، وزعم أنه اتصل بـ "محمد أبو عسكر" من حركة حماس، وطلب منه تسليم السيارة للفحص، مضيفاً، أن أبو عسكر اشترط للتعاون معه سحب التصريح الصادر عن محمود عباس حول الانفجار والذي استبق التحقيق ليحمل حركة حماس المسؤولية..، وبالنظر إلى هذا الطلب إن صح ذلك، فهو أمر منطقي، حيث لا يجوز إلقاء التهم جزافاً قبل تحقيق الجهات المعنية، هذا من جانب ومن جانب أهم فإن الناطق باسم حركة حماس السيد سامي أبو زهري، نفى نفياً قاطعاً ما أعلنه المغني عن طلبه السيارة التي تعرضت للانفجار. مضيفاً بالقول: المواد التي عرضت في المؤتمر الصحفي لم تجمع أصلاً من المكان؟ والمفارقة في الأمر أن "المغني" تهرب من سؤال أحد الصحفيين عند سؤاله عن سرعة الإعلان عن نتائج التحقيق في حادثة جباليا خلال أيام فقط في الوقت الذي لم تعلن فيه نتائج التحقيق لحد الآن في اغتيال السيد موسى عرفات، خاصة وأن الأطراف التي تقف وراء اغتياله عقدت مؤتمرات صحفية مباشرة على الهواء في وقت أصدر فيه السيد نصر يوسف (وزير الداخلية والأمن الوطني) بياناً شديد اللهجة أعلن فيه حالة الاستنفار لملاحقة الجناة ومعاقبتهم!!
· الأمر الثالث الملفت في الأحداث التي جرت خلال الأسبوعين الماضيين، أنها هجمة منصبة بشكل مباشر على حركة حماس يتزعمها ثلة من الأمنيين أو الذين لهم ارتباطات بأجهزة أمنية، ممن يشك في مصداقيتهم، بل هم محل اتهام من الشعب الفلسطيني ومن الوطنيين الشرفاء داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية.
ومرد هذا الشك ينبع من أنهم مسؤولون مباشرة عن جزء من حالة الفلتان الأمني والفساد التي تعيشها الضفة والقطاع. ففي جلسة المجلس التشريعي في (9/6/2005) أعلن وزير الداخلية "نصر يوسف": "أنه لم يستطع أن يفعل شيئاً إلى الآن، لأنه استلم أجهزة أمنية عبارة عن بلطجية، وحارات، وعصابات.."
وهذا يلقي بظلال الشك والتساؤل حول أهلية ومصداقية هذه الأجهزة المتهمة أصلاً بالمسؤولية والتقصير في عشرات القضايا:
فإلى أين وصلت التحقيقات في اغتيال موسى عرفات؟!
وماذا فعلت الأجهزة حيال مجموعة تابعة لحركة فتح عندما أطلقت النار على سيارة عزام الأحمد في مدينة طولكرم؟!
وما موقف الداخلية من إلقاء قنبلة على علاء حسني "قائد الشرطة" الفلسطينية؟!
وإلى أين وصلت التحقيقات حول المسؤولين عن إطلاق النار على النائب والوزير السابق السيد نبيل عمرو؟!
وما هو موقف وزارة الداخلية وأجهزة الأمن من اقتحام عناصر من الشرطة وحركة فتح لمقر المجلس التشريعي (3/10/2005) بصورة عبثية ومهينة للشعب الفلسطيني ولأحد معاقل الديمقراطية..؟!! أليس من الجدير هنا التساؤل وإثارة الأمر حول فوضى السلاح وتعدد السلطات واختراق القوانين و..؟!!
· من زاوية أخرى يمكن القول في ذات السياق، إن تياراً في السلطة الفلسطينية يسعى من خلال افتعال هذه الأحداث إلى تحقيق هدفين:
الأول: تشويه حركة حماس وسلاح المقاومة أمام الرأي العام الفلسطيني، بغرض تقليل فرص الحركة في الفوز بنصيب كبير في الانتخابات البلدية والتشريعية القادمة، أملاً في تثبيت حالة الاحتكار للقرار السياسي الفلسطيني وتسخيره لمآرب ومصالح ضيقة، خاصة بعد أن فازت حماس في العديد من البلديات ذات الثقل السكاني.
الهدف الثاني: هو رسالة إلى الاحتلال الصهيوني والأمريكان، مفادها أن السلطة تقوم بما هو منوط بها أمنياً في محاولة نزع سلاح حماس وحفظ أمن الاحتلال، علّ ذلك يشفع عند شارون للعودة إلى مسار التسوية الذي ما زال يتبناه تيار في السلطة رغم فشله الذريع ورفضه من قبل شارون ذاته.
وفي هذا السياق فقد قال السيد (رفيق الحسيني) ـ الذي قدمه المذيع بصفته رئيس أركان السلطة ـ يوم الاثنين (26/9/2005) إجابة على أحد الأسئلة في برنامج (هارد توك) الشهير على شاشة الفضائية البريطانية الـ (bbc): "إننا ننتظر الفرصة لضرب حماس، وقد فعلنا ذلك من قبل، وإننا سنعمل على مساعدة إسرائيل في مجال الأمن"!
وفي نفس الاتجاه قال السيد نصر يوسف وزير الداخلية الفلسطيني يوم 30/9/2005: "إننا نحن في المؤسسة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة نعمل بشكل جيد وإن الأمن الإسرائيلي الآن أصبح أحسن، وليس سيئاً، فلا يوجد هناك أية أعمال عسكرية حصلت ضدهم في الضفة"! (الحقائق، 10/2/2005)
"حماس" المستهدفة:
في الاتجاه الآخر، وبالنظر إلى حركة حماس وسياساتها المتبعة وفعلها على الساحة الفلسطينية، فإن الواقع يقول أنه ليست لها مصلحة البتة في حدوث ما جرى في قطاع غزة، وذلك لعدة أسباب:
· أن حركة حماس على الدوام وفي أحلك الظروف نأت بنفسها عن إي اقتتال داخلي، فهي التي تحملت الأذى داخل سجون السلطة الفلسطينية في العام 1996حرصاً منها على عدم إراقة الدم الفلسطيني، فما بالنا الآن ـ بعد الانسحاب من غزة ـ وهي تعيش نشوة دحر الاحتلال بسبب المقاومة التي أسهمت فيها بباع طويل، وتحظى بحضور جماهيري عريض تُتهم الحركة بأنها تسعى لفرض نفسها بقوة السلاح وهي الحركة التي حازت على ثقة جماهير غزة في صناديق الاقتراع بنسبة تزيد عن الـ 50% من مجموع الأصوات التي شاركت في الانتخابات البلدية. إذن حماس ليست بحاجة لعرض العضلات وهي المقاوم الصلب للاحتلال وهي التي تعلم أن العنف الداخلي سيبعد الجمهور عن فاعله ومرتكبه لأن الشعب الفلسطيني على قوته وعنفوانه يرفض إراقة الدم الفلسطيني تحت أي ظرف كان.
· الأمر الثاني، أن حماس وافقت على التهدئة في لقاء القاهرة (17/3/2005) بتوافق مع جميع الفصائل، تقديراً منها أن في ذلك مصلحة وطنية..، ولإتاحة المجال أمام الشعب الفلسطيني لممارسة حقه في انتخاب مسؤوليه على المستوى البلدي والتشريعي. وفي ظل هذه السياسة حظيت حماس بتأييد كبير في صناديق الاقتراع لطهارة سلاحها ومصداقيتها العالية. والمعنى أن في التهدئة مصلحة لحماس وللشعب الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية لإفساح المجال للممارسة الديمقراطية الحقيقية عبر صناديق الاقتراع التي يتوقع لحماس أن يكون لها فيها نصيب كبير، وبالتالي تعزيز برنامج الحركة ونهجها المقاوم ضد الاحتلال، ومن ثم إحراج كل الأصوات المتشدقة بالديمقراطية والمدعية أن سلاح المقاومة غير شرعي وإرهابي. إذن الواقع يؤكد أن حماس معنية بضبط الوضع واستقراره على عكس البعض الآخر الذي يروق له خلط الأوراق والصيد في الماء العكر.
· مسألة أخرى تتعلق بالقول المستهلك على لسان بعض المسؤولين في السلطة والأجهزة الأمنية، بأن حماس تسعى لأن تكون بديلاً عن السلطة واحتكار القرارالفلسطيني بالقوة والعنف، وعليه تكرر الحديث عن ازدواجية السلطة والقرار وسلاح الفوضى..الخ
ولكن عند التمعن بمواقف حركة حماس نجد أن أدبيات الحركة السياسية لم تحمل يوماً من الأيام مثل هذه الأفكار هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الواقع يكذب ذلك، فقد تعاونت الحركة مع السيد أبو مازن بعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وأسهمت في إعطائه فرصة للعمل.
كما تعاونت مع السيد أبو مازن كرئيس السطة والتقت معه في حوارات متعددة كان أهمها حوار القاهرة الأخير الذي أثمر التهدئة، والشروع في الانتخابات البلدية والاتفاق على إعادة بناء م.ت.ف على أسس ديقراطية حرصاً من الحركة على صيانة الوحدة الوطنية وترشيد القرار السياسي الفلسطيني.
وفي مقابل هذا الحرص لم يتم تنفيذ ما اتفق عليه، فما زالت لجنة الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لم تنعقد ولم يدع إليها أبو مازن لحد الآن للنظر في إعادة بناء المنظمة، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على جدية السلطة وحزبها في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس التعددية والشراكة الحقيقية في القرار.
إذن النظرة الشمولية لواقع الأحداث ومجرياتها يدلل على أن حركة حماس فكراً وواقعاً ترفض الاقتتال الداخلي وتحرمه، وتصر على إبقاء بوصلة السلاح موجهة إلى صدر الاحتلال.
في المقابل هناك أياد عابثة في السلطة الفلسطينية خاصة الأجهزة الأمنية تريد أن تدفع بعقلاء فتح والسلطة الفلسطينية وحركة حماس إلى الاقتتال الداخلي بعد خلط الأوراق بفعل الاستفزازات وافتعال الأحداث المتكررة هنا أو هناك في الوقت الذي يشن فيه الصهاينة وبعض القوى الدولية حملة تشويه منسقة ضد حركة حماس وسلاح المقاومة تحريضاً للسلطة وزيادة في احتقان الوضع الداخلي خدمة لمشروع شارون المتمثل في الانفصال الأحادي بمعايير ومقاييس صهيونية.
وأمام هذا الواقع الصعب الذي يلف القضية الفلسطينية في هذه اللحظة الحاسمة، فإنه لا بد للحكماء في شعبنا وخاصة في حركة فتح أن يتداعوا مع حركة حماس وكافة القوى للحوار الوطني الجاد لوقف هذا المخطط الآثم ولقطع الطريق على من تسول له نفسه العبث بالدم الفلسلطيني والوحدة الوطنية وسلاح المقاومة، فالمرحة القادمة تتطلب تضافر جميع الجهود من أجل البناء والمقاومة معاً.