البناء والترميم (25)
في عام 1989م أطلعنا أحد طلبة العلم الديني البحارنة(١)، في النجف الأشرف، على غرفة صغيرة عرضها حوالي مترين وطولها لا يتجاوز ثلاثة أمتار. وتقبع هذه الغرفة في مبنىً لأحدى المدارس الدينية، وأظنها واحدة من مدارس الشيخ الإخوند او السيد اليزدي.
وحسب ما نتذكر أيضاً، أن علمين من أعلام الجد والإجتهاد والتأليف، سكنا هذه الغرفة الصغيرة الضيقة ليخرج على يديهما مؤلفاتٍ ما زال تأثيرها حاضراً معطاءاً.
سكنها الشيخ محمد محسن الطهراني المعروف بأغا بزرك الطهراني(٢)، مؤلف موسوعة(الذريعة إلى تصانيف الشيعة). وتعتبر هذه الموسوعة (أشمل وأكبر فهرس يضم عناوين الكتب والمؤلفات والمصنفات الشيعية)(٣). ونسق مثل هذه الموسوعة مشابهٌ لما تعتمد عليه الجامعات الحديثة في الرجوع لمصادر البحث، أو ما يسمى بالبيبليوجرافيا(BIBLIOGRAFY). ويكفيك أن تتمعن في تاريخ وفاته، لتعرف الجهد العظيم الذي بذله قدس سره في انجاز هذه الموسوعة المهمة. وقد اشار عميد المنبر الراحل الشيخ الدكتور أحمد الوائلي، في إحدى محاضراته، إلى أن الشيخ الطهراني "كان في آخر عمره يربط القلم في أصبعيه حتى يتمكن من الكتابة".
العَلَم الثاني اشهر من ان يوصف: العلامة في التفسير والفلسفة والفكر والعرفان، صاحب" الميزان في تفسير القران". هذا التفسير يمكن أن يصنّف ضمن منهج التفسير التجزيئي. لكنك ستجد بين طياته منهج التفسير الموضوعي(٤)، إذ لا يخلو من تخصيصاتٍ بحثية لمواضيع خارجية، يتطرق لها بتركيز أكثر. كذلك هو، كما يقول البعض، مع التفسير الموضوعي الخاص بالسور. حيث يقدِّم لتفسير كل سورة، أو مقطعٍ منها، بنبذةٍ للموضوع العام للسورة أو المقطع. ناهيك أيضاً عن البحوث الفلسفية المعمقة، التي يُطّعِم بها تفسيرَه بين الحين والآخر. أما عن البحث الروائي، فظاهرٌ للعيان في نهاية كل مقاطع السور التي يتصدى إليها، مع تعليقه الدقيق على الكثير مما يورده من الروايات.
هذا قليلٌ جداً، مما يقال في هذه العجالة بحقِّ العلمين قدس الله أسرارهما.
بقي أن نشير سريعاً، قبل مغادرة بُعدَ تنظيم المعلومات إلى المعالجة، لجهود علمين آخرين.
الأول، سماحة العلامة الشيخ سليمان المدني البحراني رحمه الله تعالى. فلقد كان من أوائل المهتمين بالتعرف على أنظمة الحاسوب(الكمبيوتر) والإستفادة من برامجها في المجال العملي. ولم يكن سماحته من الواردين في هذا المجال ضمن أفراد الدائرة الدينية فحسب، بل سبق الكثيرين من أفراد العموم في الإهتمام بمعطيات هذا العلم الداخل الجديد.
آية الله العظمى السيد محمد رضا الگلبايگاني، قدس سره الشريف(٥)، كانت له مساهمته التي لا تقدر بثمن. فالمشهور عنه أنه أوعز بتعيين فريقٍ لنقل ما في بطون الكتب إلى حافظة الحاسوب، خاصة عبر الأقراص المدمجة( COMPACT DISC- CD). هذا العمل الذي سهّل من عملية الوصول للمصادر الدينية للناس عموماً، وللباحثين خصوصاً. بل حفظ المعرفة الدينية، بجودة وتنظيم أكبر، ووضعها على عتبة الإنتشار الشامل عبر أقطار الكرة الارضية.
هذا نزرٌ يسير، من أمثلة جهود العاملين وأصحاب الفضل.
يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.
------------------
(١) إن لم تخني الذاكرة فهو الشيخ الشهيد رضا احمد عبدالكريم الشهابي، الذي قضى في ريعان شبابه على يد جلاوزة النظام الصدامي ابان الإنتفاضة الشعبانية تسعينات القرن الماضي.
(٢) ولد 7 أبريل 1876 م، طهران، إيران، وتوفي في النجف الأشرف 20 فبراير 1970م.
(٣) ويكيبيديا.
(٤) الذي نظّر له، حسب علمي القاصر، السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره الشريف).
(٥) توفي في مدينة قم المقدسة بتاريخ 9 ديسمبر 1993. قال عنه الكاتب المصري فهمي هويدي، في كتابه(إيران من الداخل) بأنه رأى فيه شخصاً من الرعيل الأول المعاصر لرسول الله صلى الله عليه وآله.
الصورة: الشيخ أغا بزرگ الطهراني.