من روائع الأدب العربي...
وأيُّ امْرِئ سَاوَى بأمٍّ حَلِيلَة
فَلَا عَاشَ إِلَّا فِي شَقا وهوان ِ
كان صخر بن عمرو بن الشريد أخو الخنساء من أبيها من أشجع العرب وأكرمهم وأجملهم ، وكانت تحبه سلمى بنت عوف بن ربيعة وأحبها هو كذلك ، فتزوجها
وتعاهدا على أن لا تتزوج بعده وهو كذلك عاهدها ، وكان يقول إذا نظر إليها "لا أكره الموت إلا أنه يفرق بيني وبين هذه"
فلما كان اليوم المشهور بيوم الكلاب ؛ وهو الذي تحارب فيه بنو عوف وبنو الحرث ، التقى صخر مع ربيعة بن ثور الأسدي بعدما غلبت بنو الحرث على بني أسد ونهبتهم فطعن ربيعة صخراً ، وكان رمح صخر قصيراً فأصاب ربيعة في بطنه حلقاً من الدرع فمرض صخر سنة بالطعنة
فكانت أمه تلاطفه وقصرت سلمى في خدمته ، فسمع يوماً امرأة تقول لأمه كيف حال صخر ؟ فقالت نحن بخير ما دمنا نرى وجهه
وسألت امرأة سلمى عنه فقالت : لاحي فيرجى ولا ميت فينعى ، فغُم لذلك وحزن
وحكي أنه جلس يوماً ليستريح وقد رفع سجف البيت فرأى سلمى واقفة تحدث رجلاً من بني عمها وقد وضع يده عليها فسمعه يقول لها : أيباع هذا الكفل ؟ فقالت عن قريب
فقال صخر لأمه : عليّ بسيفي لأنظر هل صدِأَ أم لا ، فأتته به فجرده وهمّ بقتل سلمى ، فلما دخلت رفع السيف فلم يستطع حمله فبكى ، وأنشد :
أَرى أمَّ صخرٍ لَا تمَلُّ عيادتي
ومَلَّتْ سُلَيمى مِضْجَعي ومَكاني
.
وَما كنتُ أخشَى أَن أكونَ جَنَازَة
عليكِ وَمن يَغترُّ بالحَدَثان
.
أهُمُّ بِأَمْر الحزم لَو أستطيعه
وَقد حيلَ بينَ العْيرِ والنَّزَوان
.
لعمري لقد نَبُهْتَ من كَانَ نَائِما
وأسمعت من كَانَت لَهُ أذُنان
.
وللموتُ خيرٌ من حَيَاة كَأَنَّهَا
محلّة يَعسوبٍ بِرَأْس سِنان
.
وأيُّ امْرِئ سَاوَى بأمٍّ حَلِيلَة
فَلَا عَاشَ إِلَّا فِي شقا وهوان
. .
ثم مات فتزوجت سلمى بعده ... وظلت أخته الخنساء - وفية في برها لأخيها حتى بعد أن مات ، فرثته رثاء بليغاً ، وكان صخر هو أحب أخوانها إلى قلبها بالرغم من أنه لم يكن شقيقا لها حيث كان أخاها من أبيها
وكان حليماً جواداً محبوباً بين أبناء العشيرة ، وكان يقف دائما إلى جانبها يمد لها يد العون ويرعاها .
وبرغم أن الخنساء كانت شاعرة متمكنة من اللغة ولها قصائد كثيرة إلا أن شهرة الخنساء قد ذاعت وأنتشر صيتها في كل مكان من خلال مراثيها لأخيها صخر التي ذاعت وتداولها الناس إلى وقتنا هذا •