ذات يوم..24 أغسطس 1828
………………………..
*محمد علي باشا يستقبل "شامبليون" ويتناول معه القهوة ويعطيه فرمانات للتنقيب عن الآثار
………………………………
١
كانت الساعة الثامنة صباح 24 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1828 حين استقبل محمد علي باشا والي مصر، في قصره بالأسكندرية العالم الفرنسي شامبليون، ليحصل منه علي فرمانات للتنقيب عن الآثار.
٢
كان شامبليون في مصر منذ يوم 18 أغسطس 1828 ضمن بعثة "فرنسية – توسكانية" بموافقة ملكي فرنسا وتوسكانيا (منطقة شمال إيطاليا) للتنقيب عن الآثار المصرية، حسبما يذكر "روبير سوليه" في كتابه "مصر ولع فرنسي"، ترجمة، لطيف فرج، مضيفا:"ضمت البعثة 12 عضوا ويرافق شامبليون فيها بصفة خاصة "شارل لينورمان "المفتش بالفنون الجميلة، وسكرتير ورسام شاب عاشق لمصر هو "نيستور لوت" الذي كان في طفولته يحنط الحيوانات، ويدفنها تحت الأهرام في حديقة والده، وجاءت الزيارة بعد نحو ست سنوات من نجاح شامبليون في فك أسرار اللغة الهيروغليفية التي مكنت البشرية من معرفة أسرار الحضارة المصرية القديمة.
٣
كتب "شامبليون" رسالة إلي شقيقه حول لقائه مع محمد علي، ويأتي نصها في كتاب "شامبليون في مصر، الرسائل والمذكرات" ترجمة، عماد عدلي، مراجعة، دكتور طاهر عبدالحكيم، كما كتب "لينورمان" رسالة أكثر غوصا بالتفاصيل حسبما يذكر "جيلبرت سينويه" في كتابه" الفرعون الأخير، محمد علي" ترجمة، عبد السلام المودني.
٤
يذكر شامبليون:"قابلت الباشا في الساعة الثامنة من صباح اليوم( 24 أغسطس)، ويمتلك سموه العديد من المنازل الخشبية الجميلة المشيدة بذوق واتقان علي شاكلة قصور القسطنطينية، وتقع هذه العمائر الجميلة في جزيرة المنار القديمة، وقام دروفتي "القنصل الفرنسي"باصطحابي أنا والقبطان "لينورمان" إلي القصر لتقديمنا إلي الباشا في حنطور يجره حصانان مطهمان انطلقا بسهولة عجيبة وسط شوارع الإسكندرية الضيقة والمتعرجة بفضل مهارة السايس الكبيرة، كما ارتدي رفاقي أبهي ملابسهم، وأخذوا يركضون خلفنا علي ظهر جياد جموحة".
٥
يشرح"شامبليون" كيف دخلوا إلي الباشا، وينقل المشهد الذي رآه عليه..يقول:"صعدنا السلم الكبير المؤدي إلي قاعة الديوان، واجتزنا قاعة فسيحة تكتظ بالموظفين، ثم دخلنا علي الفور حجرة أخري حيث كان يجلس محمد علي في زاويتها بين نافذتين مرتديا ثياب بسيطة وممسكا في يده بنرجيلة مطعمة بالماس".. يصف "شامبليون" محمد علي قائلا:"كان قصير القامة ترتسم علي ملامحه من البهجة والبشاشة مالا ننتظر أن نجده عند رجل ينوء تحت وطأة الأمور الجسام، وتثقل كاهله الأعباء الكثيرة، ومن بين قسمات وجهه تبرز عيناه متوقدتان تتناقضان بشكل فريد مع لحيته البيضاء الطويلة المسترسلة علي صدره".
٦
يضيف شامبليون:"استقبلنا سموه علي الرحب والسعة، وسألنا عن أخبارنا وعن برنامج الرحلة، فأخبرته برغبتي في الذهاب حتي الشلال الثاني، واستلمت من سموه الفرمانات اللازمة فمنحني إياها في الحال، وخصص جنديين لمرافقتنا وحمايتنا أينما ذهبنا"
تطرق الكلام إلي الوضع في اليونان..يذكر شامبليون:"أخبرنا سموه بنبأ اغتيال "أحمد باشا" علي أيدي اليونانيين الذين تمكنوا من التسلل إلي حجرته بالتواطؤ مع بعضهم من الجنود الألبانيين، لقد استبسل هذا الرجل التركي في الدفاع عن نفسه بالرغم من شيخوخته حتي قتل بيديه سبعة من هؤلاء اليونانيين بيده، قبل أن تغلبه كثرتهم، ويبدو أن هذا الحدث قد أثر علي الباشا تأثيرا شديدا".
٧
يختتم شامبليون رسالته إلي شقيقه بأنه هو و"لينورمان" انصرفا بعد أن تناولا مع الباشا القهوة بدون سكر، أما رواية "لينورمان" التي يذكرها"سينويه" في كتابه"الفرعون الأخير"، فيذكر فيها:"بعد أن اجتزنا قاعة انتظار مليئة بالحرس، ألفينا أنفسنا في قاعة كبيرة تضم أزيد من عشرين نافذة، وكان يجلس في زاويتها كهل قصير القامة، مثل رئيس في البلاط الملكي، لولم يضع علي رأسه قلنسوة مربعة الشكل وعمامة بيضاء من الموسلين، وعلي ثوبه الأحمر وضع معطفا أزرق اللون مبطنا بالفرو، وكان الغليون الذي يدخنه طويلا بعشرة أقدام، مغطي كله بالماس وأحجار كريمة أخري."
٨
يضيف:"كان هناك حوالي عشرين رجلا من حرسه وضباطه الذين يضعون ثيابا أكثر جمالا من ثيابه، وكانوا يعوضون لديه المحامين والمستشارين، وما إن دخلنا حتي صرف بإشارة العديد من كتابه ووزرائه كانوا يعملون معه، ودعانا بإشارة من يده إلي الجلوس، وهكذا بدأت المحادثة بين"دروفيتي" الذي كان ينوب عنا في الحديث، ومترجم القنصلية الذي كان يترجم ما كان يقوله الباشا من التركية إلي الفرنسية، وسأل إن كنا سنتجه بدءا إلي قمة الفرعون(هكذا كان ينادي الأتراك الأهرام)..ووسط ابتسامته اللطيفة التي مافتئ يكرمنا بها، كنا نراه يلقي علينا بين الفينة والأخري نظرات كأنها لأسد والتي أشعرتنا ولومن بعيد بالرجل الذي قضي علي المماليك"
…………………
#ذات_يوم
#سعيد_الشحات
#اليوم_السابع