في السنن (1)
يختلف المقصود من مصطلح السنَّة حسب مقابله. وليس بالضرورة أن يكون هذا المقابل مضاداً له، ليقال أن "الأشياء تعرف بضدها".
هناك مثلاً المقصد المبني على أساس التفريق المذهبي(أهل السنة مقابل الشيعة)، بغض النظر عن صحة أو دقة المصطلح هنا. ويوجد أيضاً، في الفقه، السنة مقابل الفرض(أي المستحبات والنوافل مقابل الواجبات). كذلك الأمر، في مصادر الإستنباط الفقهي، السنّة مقابل القرآن وهكذا.
هذا المنشور يعنى بنوعٍ آخر، يسميه السيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه (السنن التاريخية).
من خلال قراءة ملخصاتٍ لبعض المهتمين بتراث السيد الشهيد الفكري(١)، وبإيجاز شديد، يمكن تمييز السُنَّة التاريخية المقصودة هنا- عن غيرها من السنن الربانية الأخرى- بأنها:
"الطريقة والقانون الذي جرت عادته تعالى على العمل وفْقَه في عالم الإنسان".
نعم، ذكروا كذلك ثلاث صورٍ للسنن التاريخية، نمر عليها سريعاً بما لا يخل بالغرض.
فمن صور السنن التاريخية ما يأخذ صيغة الشرطية، ومنها ما يكون بصيغة القضية المحققة الناجزة، والثالث ما يتم على نحو الإتجاه الطبيعي.
تربط صيغة السنّة التاريخية الشرطية بين حدوث أو حصول أمرٍ ما بحصولِ أمرٍ آخر. فهي بمثابة القضية الشرطية التي تتكون من جملتين، تسمى الأولى فعل الشرط، والثانية جواب الشرط.
هذا من قبيل قولك لإبنك:
إن نجحت في الإمتحان سأعطيك مبلغ كذا من المال(٢).
لعل من بين مصاديق السنة الشرطية، ما ورد في قوله تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد 7).
لا يعني هذا أن كل قضية شرطيةٍ وردت في القرآن الكريم ستكون سنة تاريخية. فقد جاء على لسان بعض مشركي مكة(٣):
"وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا"
(القصص 57).
في حين أن دعواهم هذه مدحوظة ومردودٌ عليها ضمن نفس الآية:
"أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (القصص57).
يأتي الكلام لاحقاً، إن شاء الله، في الصيغتين الثانية والثالثة.
ماهي السمات العامة للسنن التاريخية؟
هل السنة التاريخية تعني الجبر وتنفي الإختيار؟
يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.
-----------------------
(١) راجع: صيغ السنن التاريخية، موقع مكتبة المعارف الإسلامية في الشبكة العنكبوتيه. أيضاً ما كتبه الشيخ محمد حسن زراقط بعنوان "السنن التاريخيّة في القرآن نظرةٌ بعيون الشهيد الصدر"، مجلة بقية الله، العدد 199 بتاريخ 2019-10-14.
(٢) يماثلها أيضا، في الإنجليزية، قولهم (IF-THEN).
(٣) راجع تفسير الآية المذكورة، الميزان في تفسير القرآن، للعلامة الطباطبائي(المنقب القرآني).