تناقضٌ عجيبٌ في المشهد الفلسطيني، وصورةٌ غريبةٌ غير مفهومة ولا مبررة، بل مدانة ومستنكرة، ومؤلمةٌ ومحزنة، ومخزيةٌ ومخجلةٌ، فبينما يرسم أهلنا الصابرون المرابطون، القابضون على الجمر، والمكتوون بنار العدو، والثابتون في الوطن، والمتجذرون في الأرض، والمتمسكون بالحقوق، المقاومون بالسكين والحجر، وبالسلاح الذي يشترونه بقوت أطفالهم، ويسعون للحصول عليه بأغلى ما يملكون وأنفس ما يدخرون، ليقاتلوا به العدو ويواجهوه، ويصدوه ويردوه، فيقتلون ويقتلون، ويؤلمون ويتألمون، وينالون منه ويستشهدون، ومعهم الأسرى والمعتقلون، الذين يعانون من قيد السجن وإذلال السجان، لكنهم يقاومون بصمودهم وثباتهم، ويقاتلون بمعداتهم وأمعائهم، ويجبرون العدو على الخضوع لهم والقبول بشروطهم.
أولئك ومعهم كثيرٌ من أبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء والشتات، يرسمون أجمل صورةٍ لشعبٍ مقاومٍ مقاتلٍ، صابرٍ معانٍ، معطاءٍ مضحٍ، ثابتٍ عنيدٍ، جريءٍ شجاعٍ، مغامرٍ مقدامٍ، لا يأبه العدو ولا يخافه، ولا يجبن عن قتاله والوقوف في وجهه، يتحدى جحافله ويرد قوافله، ويصد دورياته ويفشل مجموعاته، ويرفع الصوت عالياً في وجهه، ويسجل على الأرض بمقاومة أبنائه أعظم الملاحم البطولية، التي يتأسى بها المقاومون ويقتدون، ويقلدونها ويضيفون، ويقدمون على مثلها ولا يهابون، فيخشاهم العدو ويقلق، ويشكو منهم ويتألم، ويحاول القضاء عليهم ويفشل، ويدعي الانتصار عليهم ويكذب.