حركة جعفر الخابوري الاسلاميه
نر حب بجميع الزوار الكرام ونر جو منكم التسجيل
حركة جعفر الخابوري الاسلاميه
نر حب بجميع الزوار الكرام ونر جو منكم التسجيل
حركة جعفر الخابوري الاسلاميه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حركة جعفر الخابوري الاسلاميه

احدر ان يصيبك فيروس الحقيقه فتشقى
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جعفر الخابوري
المراقب العام
المراقب العام
جعفر الخابوري


عدد المساهمات : 11382
تاريخ التسجيل : 16/02/2010
العمر : 54

صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري  Empty
مُساهمةموضوع: صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري    صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري  Icon_minitimeالإثنين أكتوبر 16, 2023 3:53 am

عدي البشير

ملخص تنفيذي:
تتجه هذه الدراسة إلى دراسة المشاعر السياسية في ملاعب كرة القدم بالمغرب، عبر افتراض أن جمهور كرة القدم جزء من المجتمع يتفاعل مع خطاب السلطة وفعلها، عبر الآليات المتاحة له انطلاقاً من الملعب، إذ تسعى تلك الجماهير الى محاكاة ونقل مختلف المشاعر السياسية المنتشرة في الفضاء العمومي، بإبداع طرق جديدة للتنفيس عن نفسها، ظاهرة جاءت في سياق يؤكد عودة المشاعر في مجموعة من المجالات، منها الفن والهندسة، وارتباط ذلك بمرحلة ما بعد الحداثة.

فقد عادت السيكولوجيا السياسية في ملاعب كرة القدم منذ بداية الربيع العربي، وقد برزت على شكل شعارات وأغانٍ ولافتات، تتجاوب مع المجتمع من جهة، وتعبر عن الوعي السياسي من جهة ثانية، وتصرخ ضد فشل مؤسسات الوساطة، وضعف التمثيل في التأطير من جهة ثالثة، إضافة إلى كونها سعت إلى خلق فضاء عمومي غير مضبوط وغير مقيد.

والمثير للانتباه هو تعدد هذه السيكولوجيا السياسية في ملاعب كرة القدم المغربية بين التعبير عن الإحساس بـ “الحكرة”[1]، إلى الإحساس بالمظلومية والحرمان والاغتراب السياسي.

تقديم:
تتوخى هذه الدراسة تفكيك مجموع الرموز والإشارات والحركات السياسية التي يقدمها الجمهور داخل الملاعب، باعتبارها رسائل إلى السلطة، تعبر عن مجموعة من المطالب، وبهذا تفترض هذه الورقة مبدئياً أن الملعب أصبح فضاء للتعبير عن مشاعر جماعية ذات طبيعة سياسية، تصحح فكرة أصبحت غالبة عن جماهير كرة القدم مفادها أنها تحمل ثقافة سياسية غير مبالية (culture paroissiale) لا تكترث بأمور السياسة وتدبير الشأن العام، ذلك أن الملاعب مشحونة بمجموعة من الانفعالات والمشاعر انتقلت بفعل السياقات الاجتماعية المختلفة إلى مشاعر سياسية، أما المقاربة المعتمدة في هذه الورقة فهي مقاربة سيكو-سياسية، تقوم على دراسة ووصف حالة مدرجات ملاعب كرة القدم بالمغرب ما بين 2016 و2022، بصفة غير منتظمة في استيراد النماذج حسب حاجة التحليل إلى ذلك.

فالدارسون لم يهتموا بالمشاعر السياسية إلا في الآونة الأخيرة، لكن مؤشراته وإرهاصاته الأولى تعود إلى المؤتمر الذي عقدته الجمعية الفرنسية للعلوم السياسية سنة 2017 حول الموضوع، ولعل هذا يرجع إلى هيمنة البراديغم المؤسسي، والنظرية العقلانية في تحليل ما هو سياسي[2].

إنه موضوع تصعب دراسته بالنظر إلى التعقيدات المنهجية المتمثلة في جمع المعطيات الميدانية من جهة، ومساءلة الآليات المنهجية؛ شفافيتها ومصداقيتها[3]، ذلك أن المشاعر والعواطف غالباً ما تكون مخفية وغير مسموعة[4]، ثم إن موضوع المشاعر السياسية في ملاعب كرة القدم يرتبط بمجموعة من الحقول العلمية؛ منها علم النفس السياسي الذي يشتغل على نفسية الجماهير تحديداً، فهو علم حديث ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أتى في سياق تداخل وتلاقح العلوم الاجتماعية، اعتباراً إلى كون ذلك التداخل ضرورة علمية، كل هذا من أجل كشف حقيقة الظواهر الاجتماعية وتحليلها ودراسة التفاعل بين السياسة وعلم النفس، ويوجه دراساته في مستويين: الأول أعلى، يدرس فيه الطبقة الحاكمة باعتبارها نخبة صاحبة قرار وصانعته أيضاً، والثاني قاعدي يدرس فيه الجماهير، سواء من حيث سلوكها الانتخابي، أو باعتبارها تشكل ما يسمى الرأي العام.

وقد تعددت مستويات تحليل هذا العلم البكر، بدءاً من النظام الدولي فالفرد ثم الدولة، وانعكس ذلك على مواضيعه، بحيث شمل دراسة الشخصية السياسية، والسلوك الانتخابي، والمعتقدات السياسية، ليأتي ضمنه موضوع علم نفس الجماهير[5].

والواقع أن علماء النفس، بمن فيهم فرويد، متفقون على أن الفرد ما إن ينخرط في جمهور محدد، حتى يتخذ سمات خاصة لم تكن موجودة فيه سابقاً، وحتى إن كان بعضها موجود، فإنه لم يكن ليتجرأ على البوح بها أو التعبير عنها بمثل هذه الصراحة وتلك القوة[6].

لذلك تم التطرق أولاً: إلى ماهية السيكولوجيا السياسية وسياقات بروزها في المجال السياسي(أولاً)، ثم ثانياً: العمل على دراسة المشاعر السياسية في ملاعب كرة القدم بالمغرب(ثانياً).

أولاً: المشاعر السياسية: ماهيتها وبرزوها في الفضاء السياسي
تأتي المشاعر والأحاسيس في تقابل تام مع المنطق والتفكير، فكل واحد منها ينبع على التوالي من القلب والعقل، هذا حسب الافتراض القديم الذي يرى أن العقل مستقل عن المشاعر والانفعالات التي ترتبط بالوجدان، عكس المعرفة التي تتموضع في القشرة، وقد قدم أفلاطون تعارضاً بين العواطف والعقل، وهو تعارض طورته المدرسة الرواقية، أما أرسطو والفلسفة السياسية المعاصرة فقد رأيا أن هناك تكاملاً بين العواطف كقوة دافعة والعقل كأداة غنية معرفياً[7].

إن المشاعر حالة شعورية تعبر عن نوع من التقييمات والتقديرات، تتكون من مجموعة من الميولات والحوافز والأمزجة، وترتبط بالرغبات ومبدأ اللذة، بهذا تصبح المشاعر شأناً مرتبطاً بالحياة الخاصة للأفراد، قوة متسلطة مبهمة، تقوض القدرة على التفكير، قوة مدمرة وغامضة، تتشكل مبكراً في حياة الأفراد، وتظل مدفونة على عمق سحيق، والمشاعر السياسية ليست استثناءً من المشاعر بشكل عام، فهي الأخرى تتعدد بين مشاعر سلبية يمثلها الحزن والقلق والغضب والخوف والتوتر، وايجابية يمثلها الفرح والسعادة والأمل والصداقة والثقة[8].

هذا من جهة، من جهة ثانية في تصنيف ماكس فيبر لأسس “المشروعية”، يجعل المشروعية الكاريزمية تحيل على مشاعر المحكومين، في مقابل الشرعية القانونية التي تحيل على العقلانية، مشروعية تقوم على المميزات الشخصية النادرة للقائد، فهو ملهِم للجماهير، بحيث يجعلها تخضع إليه دون أسس قانونية أو تقليدية، بهذا يمتلك القادة الكاريزميون قدرة السيطرة على المشاعر السياسية والاستقطابات، لكن مثلما تنحسر هذه المشاعر، ينحسر أيضاً صعود هؤلاء القادة الكاريزميين، ذلك أن العواطف منتوجات، لها معايير موجهة ومراقبة من طرف القادة، أولئك الذين يوزعون وينتجون ويضبطون تلك العواطف[9].

أما عن المشاعر السياسية فقد ارتبط الاهتمام بها بمجموعة من العوامل، أهمها بروز الشعبوية كحركة سياسية، ثم مرحلة ما بعد الحداثة، وما صاحب الزمن المعاصر من تحولات؛ تمثلت في موت الإيديولوجيا، وأزمة السياسي، وصعود التكنوقراط، وبروز الفردانية ومجتمع الاستهلاك[10].

سياق عام محكوم بمرحلة ما بعد الحداثة، مرحلة اتسمت بالنّسبية، والتشكيك في كل شيء، تجاوزت أسس المعيارية والعقلانية، تلك التي بشرت بها الحداثة بقيامها على العقلانية والتنظيم والسلمية والالتزام بالقانون، سياق عام بلا تنظيم محكم، ولا أيديولوجيا، وبمستوى اجتماعي تقل فيه الوحدة، وتتقلص فيه درجة الإتقان، إنه طابع أكثر هزلية وفوضوية[11]. مع هذه المرحلة عرفت المؤسسات السياسية التقليدية؛ من أحزاب، وتقاليد تاريخية، أزمة مشروعية في عدم مقبوليتها من طرف الجماهير، ليحل محلها رؤساء المقاولات والموظفين السامين، هكذا تأسست مرحلة ما بعد الحداثة على اللّامنطقي، يظهر ذلك في الهندسة المعمارية والفن، بحيث أصبح الخيال هو منبع أعماله كلها، يخلو تماماً من أية نموذجية[12].

تغيرات أرخت بظلالها على نفسية المجتمعات جعلت من التحليل النفسي يغير جلدته عبر براديغمات جديدة من قبيل الاقتصاد النفسي يميز الإنسان المعاصر بشغف همجي، يجعل من رفع الحدود وإلغاء شيء اسمه المستحيل أسمى قِيَمِه، وتقديس المتعة والرغبة بلا حدود مشدودة بسياسة اقتصادية[13].

من ناحية أخرى، ساهمت العولمة في تزايد أهمية العواطف، فبالموازاة مع التدفق الحر للأفكار والسلع والرأسمال، ثمة تدفق حر للعواطف، إيجابية كانت أو سلبية؛ كالكراهية بين الأمم والمجموعات العرقية والأديان، لكن أكثرها هي عواطف عدم الإحساس بالأمان المرتبط بمستقبل الأفراد، والإحساس بعدم الثقة المرتبطة بالهوية؛ اذ أصبح سؤال: من نحن؟ سؤالاً يُطرَح من طرف المجموعات الاجتماعية التي أصبحت تحس بنوع من التوتر وعدم الاستقرار[14].

أما السياق الخاص فيتميز بأزمة الديمقراطية التمثيلية، وفقدان الثقة في المؤسسات، والعزوف عن المشاركة السياسية، وعدم فعالية ونجاعة السياسات العمومية باعتبارها قدرات توزيعية للدولة، وتراجع قوة السياسي في مقابل زيادة قوة الفاعلين الآخرين من مجتمع مدني وقطاع خاص[15]، الأمر الذي أدى إلى بروز الشعبوية كردة فعل ثقافية وسياسية ضد العديد من المخاوف، وضد استراتيجية إعادة توزيع السلطة بين المجموعات التقليدية والجديدة، حركة تبنت خطاباً بسيطاً سطحياً مباشراً وسهل الفهم، يستهدف العامة دون الخاصة.

شعبوية انتعشت معها مجموعة من المشاعر، كالشعور بالاغتراب عن السياسي، وبعدم المشاركة في الحكم، وعدم تعبير الحكام عن هوية الناس، والخوف جراء مستوى المعيشة القائمة، والخوف من نمط الحياة، والخوف من الهجرة والمهاجرين الذين يتم تصويرهم بأنهم مصدر المتاعب الاقتصادية، يتم الصرف عنهم من ميزانية الدولة على حساب دافعي الضرائب، كما يتم تصويرهم مصدراً لتهديد الهوية، لتظهر بذلك قوى ديماغوجية تطرح حلولاً سهلةً وشعبويةً ضاقت من بطء إجـراءات الأنظمة الديمقراطية، قوى تخاطب الغرائز ضد الآخر المختلف، لا سيما المهاجرين. هكذا سعت هذه الديماغوجيا الشعبوية تعالج ببراعة مشاعر القلق والجزع والغضب، وتحولها جميعاً إلى غضب سياسي[16].

ويلاحظ عودة المشاعر بشكل ملفت في الحياة الدينية للأفراد التي أصبح يكسوها الخوف والفرح والحزن، ثم الحركات الاجتماعية المعاصرة التي تحركها مشاعر الخوف من المستقبل وخلال الزمن الراهن انطلاقاً من حملات الإشهار والتسويق الكبرى تأسيساً على فكرة أن منتوجات الشركات الكبرى مصدرٌ للفرح والسعادة ودواءٌ للحزن والكآبة، ويزداد حضورها في المجال السمعي البصري خصوصاً البرامج الترفيهية والأفلام ونشرات إخبارية، لتبقى الرياضة كنشاط عضلي ترافقه مشاعر جياشة[17].

إن أهمية دراسة المشاعر السياسية ترجع إلى اعتبارات متعددة، منها أن المشاعر تشكل بنية تكوينية للفرد، وما الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلا امتداد لها، كذلك ترجع إلى كونها تبني انتقادات موجهة إلى نظرية الاختيار العقلاني[18] التي تبرز أهمية العقل عند الفاعل في صناعة القرار العمومي، وتهمش المشاعر السياسية، في حين يثبت واقع الممارسة عكس ذلك. من جهة أخرى فالعواطف السياسية ترتبط بخطابات طبقات اجتماعية محددة تكون مستهدفة من طرف هذه الدراسة[19].

وترتبط العواطف السياسية بالرمزية السياسية، ذلك أن العديد من الأفراد يُؤَوِّلون الأحداث السياسية، ويعبرون عن عواطفهم عبر الرموز السياسية، خصوصاً في الأنظمة السلطوية التي تخنق التعبيرات الصريحة، فيتجه المواطن إلى تلك التعبيرات المضمرة، كإشارة على الحضور وإثبات وجود الذات، زد على ذلك أن التعبئة السياسية تسمح باستدعاء مجموعة من العواطف السلبية والإيجابية من أجل دعم أو تقويض السياسات الحكومية، لتصبح بذلك آلية فعالة للتعبئة، إما من أجل سياسات أو قضايا تهم فئة اجتماعية معينة، وذلك بكسب تعاطف أكبر نسبة من المناصرين، وتكوين حشود تنقل العدوى العاطفية بسرعة كبيرة.

لتبرز المشاعر السياسية في مجموعة من القضايا، منها الهوية الوطنية التي تتحدد عبر مشاعر جمعية، والفصل بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة التي يحددها الضمير الجمعي، وتحديد الفرق بين المجال العام والخاص، ومسألة القيم التي تعد تفضيلات جماعية، ومسألة الديمقراطية التي تفصل في الصراعات، والتي يتحول عبرها العدو إلى خصم ومنافس، وفي الاختيارات السياسية للأفراد من خلال الاستحقاقات الانتخابية لتشكل الانتخابات في الحقيقة فرصة لدعم حزب أو الانتقام منه ومن مرشح البلدة أيضاً، هنا الأفراد يرجعون إلى عواطفهم استجابة للجروح النفسية العميقة المتجذرة.

ثانياً: نحو سيكولوجيا سياسية تتجاوب مع إشكالات المجتمع
إن احتضان الدولة للألعاب الرياضية يهدف إلى خدمة أغراضها، ومنها منح الشرعية للنظام السياسي، وتعميق الولاء الوطني، وتجذير السلوك السياسي المحافظ، إضافة إلى كونها أداة للتصريف السياسي[20]. حيث تعد وسيطاً ناعماً لتمرير مجموعة من الرسائل السياسية للحكومات اتجاه الجماهير من أجل مقبولية أكبر بحكمها وخضوع أكثر واستقرار واستمرارية للأنساق السياسية الحاكمة، يقع هذا عبر الدعم المادي والرمزي المتواصل للأنشطة الرياضية، والحضور الرمزي للزعماء السياسيين من أجل إعطاء انطلاق المباريات، وفي حفلات الافتتاح، ثم في تقديم الجوائز للفائزين وتهنئة الفرق والمنتخبات إثر فوزها بالبطولات والمباريات، واستقبالها بعد فوزها في حفل بهيج تقام فيها طقوس تلتحم فيها مشاعر الحاكمين والمحكومين.

هذا من جهة، من جهة ثانية تعتبر الألتراس مجموعات تشجيعية تساند الأندية التي تنتمي إليها، بحب ووفاء وتضحية وشغف أكبر من المشجع العادي، وبالتالي تصدر عنها مجموعة من المواقف؛ منها السياسية والرياضية، نتيجة غيرة هذه الفصائل على أنديتها، وكذا إحساسها بمسؤولية الدفاع عن فريقها في وجه كل من تعتبره يسعى إلى عرقلة مساره[21].

اذ يصل عدد منخرطي هذه المجموعات المشجعة إلى مليون منخرط، أغلبهم شباب، تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تشبيك العلاقات بينهم، فئة تحتل حَيِّزاً كبيراً في هرم الأعمار بالمغرب بنسبة تصل إلى 46.32 في المئة[22]، ولأن الشباب يحيل أيضاً على فئة اجتماعية ومرحلة عمرية تتميز بالفوران العاطفي والنفسي، بالآمال والطموحات، فقد أصبحت هذه الفئة تختار الفعل الاحتجاجي كخيار بديل عن المشاركة السياسية، وذلك بحكم عدم الثقة في فعل السلطة، وعدم فعالية مجموع السياسات والإجراءات والبرامج العمومية التحفيزية لإدماج الشباب، وكذا عدم فعالية ونجاعة مختلف السياسات العمومية الاجتماعية التي تستهدف الشباب المغربي؛ من تشغيل وصحة وتعليم[23].

إن عدم فاعلية السياسات تلك خلقَ إحساساً لدى الشباب بعدم فعاليتهم أيضاً، لذا ساد بينهم الاعتقاد بعدم إمكانية التغيير الاجتماعي والسياسي، وهو ما أدى إلى ضعف الانخراط في قضايا التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلاد.

لقد عرف الألتراس المغربي تحوُّلاً كبيراً انطلاقاً من سنة 2016 التي بصمت على منع هذه المجموعات الرياضية من ولوج ملاعب كرة القدم، لكن في سنة 2018 عاد الألتراس بوعي جديد، إذ أصبح أكثر تنظيماً، ذلك أنّ الشعارات أصبحت مكتوبة ومغناة، ولأنها كلها تُمنَح من البيئة الثقافية والمعيشية للجمهور، فإنها حملت مطالب اجتماعية وسياسية، وبذلك ارتفع منسوب الاحتجاج لديها[24]، تستخدم تلك الشعارات كوسيلة طبيعية للترويح عن القمع السياسي الذي يعيشه المجتمع المغربي.

لقد بدأ ألتراس المغرب بمعارضة وانتقاد القانون 09-09 الذي جاء لمحاربة شغب الملاعب، واعتمد في ذلك على الأغاني التي تمجد الحرية، وتدعو إلى التمرد على السلطة، وانتقاد ومعارضة قانون الخدمة العسكرية (ماغنمشيوش للعسكر)، وكذا رفض حل الألتراس من طرف وزارة الداخلية، وما رافقه من مشاعر الحقد والكره تجاه رجال الشرطة، وعدم الثقة في السلطة، لتنتقل الألتراس إلى الانتقادات ذات الطبيعة السياسية، وذلك بانتقاد السياسة الرياضية والأوضاع الاجتماعية، ومن ثم انتقاد سياسات السلطة[25].

وبهذا انتقلت من نهج سياسة مقاومة السلطة إلى نهج سياسة الهجوم عليها، وقد ساعدها على ذلك كونها تتميز بالاستقلالية التنظيمية والمالية عن باقي التنظيمات الاجتماعية والسياسية، الأمر الذي جعل قراراتها تتسم بالاستقلالية.

والجدير بالإشارة أن انتقادات هذه المجموعات كلها موجهة إلى المؤسسات السياسية دون المؤسسة الملكية[26]، ويرى البعض أنه تكتيك سياسي يمنع السلطة من خندقة الألتراس في توجهات سياسية تسمح للسلطة بنسفها، إنها بهذا التكتيك تشكل مناعة سياسية لصب جام غضبها على الحكومة والبرلمان، ففي انتقاد واضح للبرلمانيين المغاربة رفع فصيل “غرين بويز” رسالة كتبت عليها عبارة “فالقبة التكركير، فالمقرر البغرير” أي داخل قبة البرلمان يضحك البرلمانيون وفي المقررات الدراسية تضعون “البغرير”[27]، وذلك في المباراة التي جمعت الرجاء الرياضي بفريق النادي القنيطري برسم ثمن نهائي كأس العرش لموسم 2018. أما فيما يتعلق بانتقاد الحكومة فقد ظهرت أغنية “الحكومة منحبوهاش نشعلوها ومعلبالناش” بمعنى لا نحب الحكومة نحرق كل شي وبدون مبالاة، ثم ظهرت أغنية “رجاوي غواني”، ومن بين ما جاءت به مقطع، “مغانا مسمومة تكره الحكومة” أي ساعة مسمومة (في إشارة الى الساعة الإضافية التي زادتها الحكومة) تكره في الحكومة.

إذ تعبر هذه الأغاني والمرددات داخل ملاعب كرة القدم عن سيكولوجيا ومشاعر عدم الرضى الكبير عن مختلف السياسات التي تدبرها، فالحكومات غير قادرة على إشباع المادية والنفسية للأفراد مما يجعلهم قادرين على أي شيء قد يوصل ما يشعرون به[28].

وتسمح الطبيعة الهندسية لملعب كرة القدم باعتباره فضاءً عمومياً[29]، أن يتناظر جمهورا الفريقَين، على شكل اغوري تطرح فيه أمور العامة للنقاش، بتبادل الآراء والحجج[30]، فيدخل مشجعوا الفريقَين في منافسة سيكولوجية مفادها: أيّ الجمهورين قادر على المساهمة في فوز فريقه من خلال أسلوب التشجيع، فتظهر بذلك أشكال تنظيم الجمهور، وطريقة ترديد الشعارات، وكيفية رفع أعلام الفريق والتلويح بها.

ليمثل الملعب مكاناً جديداً لعلم السياسة، ويصبح فضاءً عمومياً خالياً من كافة أشكال التراتبية؛ فالأفراد يقفون فوق أرضية مشتركة ويلبسون أقنعة مثالية، يتخلصون من تمثلاتهم وخلفياتهم الدينية والثقافية والسياسية ويصبحون صوتاً واحداً ووعياً واحداً، تذوب الذوات في بنية لا مادية رمزية فيبدأ التفاوض حول الحاجيات العامة[31].

تتحول ملاعب كرة القدم المغربية إلى منصات للإبداع الفني، من خلال أغانٍ وأناشيد لم تعد تقتصر على مؤازرة الفرق الرياضية، بل باتت تحمل رسائل سياسية إلى الداخل والخارج، بحيث يتم الانتقال من لاعبين إلى أفراد حاملين عواطف ومشاعر، تمثل ضمير الأمة أثناء فرحتهم بتسجيل هدف، والكشف عن قمصان داخلية تحمل شعارات سياسية كالإسلام أو القضية الفلسطينية أو الصحراء المغربية أو القسّام، تتخللها حركات وإيماءات ترمز إلى ما هو سياسي، في لغة تعبر عن مشاعر تطفو فقط في لحظة الانتشاء، هكذا تصبح الشعارات في هاته المرحلة ذات طبيعة سيميائية وهوياتية[32].

ويظهر ملعب كرة القدم بوصفه مكاناً لتصريف الانفعالات المكبوتة، حيث يسمح بكل شيء داخل هذا الهيكل المهيب، إنه فضاء مختلف عن خارجه، إذ تنطلق بداخله أصوات المتفرجين بكل الأناشيد المتعلقة بموضوعات مختلفة، مثل التنديد بالنظام السياسي، وشخصياته، وبانحرافات المجتمع وبالاعتداءات على الشعوب المسلمة… إنها ظاهرة اجتماعية، وشكل من أشكال التعبير السياسي متطور بشكل ملفت للانتباه لدى مناصري النوادي الكبرى، تستوحي قيادات المتفرجين شعاراتها من الأحداث الراهنة (البؤس الاجتماعي، البطالة، الإرهاب، الرشوة، الفساد، الرغبة في الهجرة، الحكرة، “وصولية” الأغنياء الجدد…) لنشر أناشيدهم القادحة بفضل الجوقة الموسيقية المرافقة لهم.

ثم يأخذ التعبير السياسي شكل حفل فرجوي، يعطي معنى لأعضاء المجموعة، قد ينتقل إلى هوية سياسية ونضالية. وترجع تلك التعبيرات السياسية التي تبرز في الملعب إلى ثلاثة تصنيفات من التَّسييس هي[33]:

أولاً: تسييس أيديولوجي يوحي بالانتماء إلى جماعة أو جمعية أو مجموعة سياسية معينة.

ثانياً: تسييس هوياتي يوحي بانتماء هوياتي معين.

ثالثاً: تسييس نوعي أو طبقي من أجل إدخال مشكل عمومي إلى أجندة الفاعل العمومي.

يشكل الملعب فضاءً مفتوحاً، يجتمع فيه الأفراد لصوغ رأي عام، ويتحولون بفضله وعبره إلى مواطنين، تجمعهم آراء وقيم وغايات واحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التبادل الانفعالي لوجهات النظر حول مسائل تخص المصالح العامة هو الذي يتيح فرز الرأي العام، الذي هو بالأساس وسيلة المواطنين في الضغط على الدولة[34].

ويبدو على مقاعد المدرجات أنّ الشاب المناصر للنادي قد وجد فعلاً شخصيته المتميزة، واكتشف جمهور الشباب أولاً، كما عثر ثانياً على تعبير كلامي، وعلى هويته من خلال انضمامه لـ “فريقه الكبير” لكرة القدم. ويرخص الملعب بأجوائه الهائجة إمكانية نسج العلاقات الاجتماعية الجديدة، بواسطة الأداء الممكن لعملية الشبكات القائمة، ليصبح فضاءً للتعبئة وكياناً رمزياً يعبر عن بناء اجتماعي[35].

ويُلاحَظ أنّ هناك نزوعاً إلى ثقافة اللّاعنف من خلال تعبيرات داخل ملاعب كرة القدم هو استعارة لثقافة موجودة في الفضاء العمومي الكلي، في كنهه هو استحضار لمختلف الديناميات المعرفية والوجدانية والعقلية والنفسية التي تقوم بضبط السلوك السلمي للجموع أثناء فترة الأزمات أي في عز الاحتجاجات والصراع والمقاومة والانفعال. سلمية كتكتيك في الصراع مع السلطة ترجع الى عدم التكافؤ في القدرة والقوة، من أجل كسب تأييد وتعاطف وتضامن الآخرين ووضع الخصم في وضعية غير متوازنة[36].

لتتشكل ثلاثة مشاعر سياسية أساسية تجتمع بشكل مركب، وكل شعور يؤدي إلى الآخر، مشاعر سياسية سلبية تكمن في الغضب والمظلومية والحكرة والحرمان النسبي والاغتراب السياسي؛ مشاعر سياسية تبرز بشكل جلي في مجموع الأغاني والشعارات التي يحملها مشجعو الفرق الرياضية بالملاعب.

والشعور بالمظلومية يبرز انطلاقاً من أغنية “في بلادي ظلموني’[37] والمظلومية حالة نفسية يحس فيها الفرد بأنه معتدى على حقوقه وحرياته، ويحس معها بالاضطهاد أيضاً، فيولد له الشعور بالحكرة، يترجمه في مجموعة من الأغاني والشعارات مثل: “لمن نشكي حالي”، شعور يحس فيه الفرد بالاحتقار والدونية، أو قل حالة من اليأس كبيرة، يشعر فيها الفرد أنه مهان الكرامة وغير محترم، فيها يشعر بالتمييز بشتى أشكاله، على أساس اللون والدين والعرق واللغة والجنس والمستوى التعليمي والترابي، فيجاور بذلك مصفوفة من المفاهيم القريبة منه كالاستبداد والفساد والرشوة والمحسوبية …[38]، يبرز كل ذلك في مجموعة من أغاني الرجاء البيضاوي مثل: “يا حركنا يا لبابور يا ودينا لبلاد نور فبلادي راني محكور”. بمعنى احملينا أيّتُها السفينة إلى بلاد الأنوار فإننا في بلادنا محتقرين، “يا لبابور يا لبابور لاليبيرتي ديني معاك من لماروك نبدل كارتي نروح بعيد فكلاسكو نسطالي فسكوتلاندا تما إن شاء الله تحلالي”. أي: يا سفينة الحرية احملينا من المغرب لنغير الحي ونعيش حياة جميلة، “يا ربي يا العالي وعاشقين فجيرماني حبيت غير الالي فبريمن نسطالي قلع يا لبابور مليت بلاد نيرو”[39]. أي: يا الله نحب الألمان أحببت المشي مع أصحاب الصف الأول اذهبي أيتها السفينة فإنني مللت البلاد السوداء. شعارات واغانٍ تحمل خطاب تيئيسي ونفسية الملل والشعور بالحكرة وتنمي مغادرة البلاد عبر الهجرة الشرعية والتنعم بالخيرات وتنفس الحرية ببلاد الأنوار.

والحديث عن الحكرة ليس وليد لحظة كرة القدم، وإنما ظهر في خطاب مجموعة من الحركات الاجتماعية منذ 2004، ليتم توظيفه بكثافة في حركة 20 فبراير سنة 2011، هنا قامت الألتراس بنقل الشعور العام من الفضاء العام الكلي إلى الملعب، تعبيراً عن ذلك التأثير بين الكلي والجزئي، وتعبيراً عن التضامن مع المجتمع الكلي، شعور يتأسس عليه العنف بكل أشكاله، يرتبط بلحظة تنفيس عن ظلم اجتماعي يصرف في خطاب احتجاجي، وتلخص هاته الأحاسيس أغنية ألتراس الرجاء في أحد المقاطع، تقول: “ملكنا واحد محمد السادس والباقي شفارة وعلينا حكارة كيعمروا شكارة بفلوس الفقراء”. أي: إنّ الملك هو محمد السادس، ويحوم حوله الفاسدون يحتقرون باقي أفراد الشعب ويملؤون جيوبهم بأموال الفقراء.

يعيش الفرد بنفسية قلقة، قلق على الرزق وانعدام جذري للشعور بالأمن بكل أشكاله على طول يومه، يتجه في كل فرصة إلى الانتقام بأساليب خفية ورمزية تظهر في الملعب كفضاء يحتله الجمهور بكل قوة مما ينتج ازدواجية في الشخصية بين الرضوخ الظاهر والعدائية الخفية فالإنسان الذي يشعر بالحكرة يتحين الفرصة للنيل من غريمه دائماً[40].

ليعيش تلك الحالة النفسية تصف الاستياء الذي يتولد لدى الفرد، نتيجة إدراكه أنّ ما يحصل عليه من مقومات المعيشة أقل بكثير مما يستحقه أو يتوقعه، ويتولد هذا الإحساس بمقارنة وضعية الأفراد بالمجتمعات الأخرى، أو حتى بمجتمعه نفسه، بحيث تغيب العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الفرص، حالة من الحرمان، تظهر في أغاني الألتراس التي تتمنى أن تهاجر إلى بلاد الغربة للحصول على حياة كريمة. ولعل خير مثال على ذلك أغنية “قلبي حزين”، إذ تتناول قضية البطالة، والهجرة السرية، والفساد في الدولة، وعدم المساواة في توزيع الثروة، وضعف منظومة الصحة والتعليم[41].

هكذا تصبح الملاعب حقلاً للتنفيس السياسي عن حالة الاحتقان الاجتماعي، والاختناق السياسي بالبلد. وحمل شعار الغرفة 101 كشعار جمهور الرجاء في الديربي، وهو اسم مستوحى من رواية جورج اورويل الشهيرة سنة 1984، تعبيراً عن أن البلاد أصبحت مثل سجن كبير، يتعرض فيه المواطنون إلى القهر والقمع والتعذيب، تماماً مثل الغرفة 101 صاحبة السمعة السيئة.

من داخل الملعب يعبر الجمهور عن مشاعر السخط والاستياء من الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها، والتي عكستها مجموعة من الأغاني، بدءًا من أغنية “في بلادي ظلموني” لجماهير الرجاء الرياضي، مروراً بأغنية “صوت الشعب” لجمهور الوداد، وصولاً إلى أغنية “هادي بلاد الحكرة” لجمهور اتحاد طنجة، كل تلك الأغاني تحيل على مجموعة كاملة من المشاعر المعقدة، منها المعاناة والكراهية والألم والظلم.

ويبقى الشعور بالاغتراب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mzmzmz.yoo7.com
 
صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري
» صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري
» صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري
» صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري
» صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة جعفر الخابوري الاسلاميه :: جمعية ابو الصنقيع الثقافيه الدوليه رئيس الجمعيه جعفر الخابوري-
انتقل الى: