أدت هذه السياسة الاستعمارية القائمة على التمييز بين العرب والبربر، وتعزيز الهويات الجزئية إلى تفجّر ما عُرف بالأزمة البربرية سنة 1949 داخل الحركة الوطنية بقيادة الزعيم مصالي الحاج؛ حيث ظهر بشكل جلي تياران، الأول منافحٌ عن الهوية الجامعة التي تجد في اللغة والدين دعامتان أساسيتان لها، والثاني منافحٌ عن القومية البربرية ومتأثرٌ بالأطروحات التاريخية والأنثروبولوجيا الفرنسية((فاطمة لعجيمي، الأزمة البربرية 1949م وتأثيرها على مسار الحركة الوطنية الجزائرية، مذكرة لنيل شهادة الماستر في التاريخ، جامعة بسكرة، 2015، ص.10.))، وقد امتد هذا التشظّي وتوسّع إلى ما بعد قيام الدولة الجزائرية الحديثة، ولا يزال يُلقي بظلاله وبتوظيف من فرنسا إلى غاية اليوم؛ من خلال تعطيل مسيرة التعريب من طرف النخب البيروقراطية البربرية المفرنسة، وكذلك الدعم غير المحدود لحركة الماك وقياداتها المقيمة بفرنسا.
ومن ضمن مشاريع التقسيم الخارجية والتي لها جذور تاريخية أيضًا، قضية فصل الصحراء عن الجزائر المستقلة، وهي القضية التي أدت إلى استمرار حرب التحرير الجزائرية بضع سنين أخرى من أجل إسقاطها من المشروع الفرنسي((صباح نوري هادي العبيدي، مشاريع التقسيم الاستعمارية في الوطن العربي: مشروع فصل الصحراء عن الجزائر، ومحاولة تقسيم العراق، مقاربة تاريخية”، المجلة المغاربية للمخطوطات، العدد 5، جوان 2017، ص. 279.))، بيد أنها عادت لتطرح وتجد لها أنصارًا داخليين؛ بسبب فشل الدولة الجزائرية المستقلة في تنميتها وتحصينها من الناحية الديمغرافية.
الخاتمة:
من الدعائم الأساسية التي بُنيت عليها السياسة الخارجية الجزائرية، الالتزام بدعم الشعوب في تقرير مصيرها((عبد الرؤوف بن الشيهب وعبد الكريم كيبش، “السياسة الخارجية الجزائرية بين تهديدات دول الجوار ومتطلبات التكيّف”، مجلة الباحث الاجتماعي، العدد 14، 2018، ص.504.))، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول((المرجع نفسه، ص 506.))، ومدار المبدأ الأول هو مناهضة الاستعمار، أمّا المبدأ الثاني فينصرف إلى عدم الانخراط في الاضطرابات القائمة داخل الدول المستقلة. وفق هذا المنظور يمكن توصيف السياسة الخارجية الجزائرية أنها سياسة دفاعية في ردود فعلها على التهديدات الأجنبية، وهي بعد ذلك سياسة واقعية تعتدُّ بموازين الضعف والقوة في تقدير حجم ردّات الفعل ضد الاستهداف الخارجي، يتضح ذلك جليًا عند المقارنة بين مستوى الردّ الجزائري على فرنسا مع الردّ على المغرب، ففي حين لجأت السلطات في الجزائر إلى إغلاق المجال الجوي في وجه الطائرات المغربية، ثم قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب على خلفية التطبيع مع الكيان الصهيوني والتصريحات المتعلقة بالدعوة إلى تقرير مصير منطقة القبائل، لم تكن هناك إجراءات مماثلة مع فرنسا التي تحتضن كل قيادات “حركة الماك”، وصدر عن رئيسها تصريحات تلغي وجود الأمة والدولة الجزائرية برمّتها، واكتفت السلطات الجزائرية بتعليق الاتصالات الدبلوماسية مع الإليزيه واستدعاء السفير للتشاور.
ولمواجهة التهديدات الانفصالية تعتمد الجزائر على قوتها الناعمة في علاقتها مع حكومات الجوار، وعندما تفشل هذه الحكومات في إدارة حدودها والتحكم في الجماعات التي تنشط على أراضيها، فإن العمليات الأمنية هي البديل الذي تلجأ إليه السلطات في الجزائر عمومًا، وهي تمتلك المفاتيح لذلك منذ سنوات طويلة.
ورغم أن النظام السياسي لا يزال متحكمًا في الوضع إلا أن حالة الضعف التي تعيشها الجزائر كدولة منذ سنوات بسبب غياب الإرادة السياسية لانتقالٍ ديمقراطيٍ حقيقي، وغياب أيّ مسارٍ جادٍّ للحوكمة ومحاربة الفساد المستشري، وتراجع منحنى القوة بسبب الاهتزازات الكبيرة التي أحدثها الحراك الشعبي في عام 2019، ولا تزال تداعياته مستمرة إلى غاية اليوم، دون أن يكون هناك مسارٌ انتقاليٌّ وتمدين نظام الحكم، كلها تشير إلى أن الجزائر اليوم تعيش تهديدًا حقيقيًا لأمنها القومي.
ال