نبيل عودة
المقدمة
اندلعت الحرب الروسية على أوكرانيا بشكل أسرع ممّا كان يتوقع حتى أكثر المتشائمين بحدوثها؛ واضعةً الكثير من معالم النظام الدولي الذي تشكّل بُعيد انهيار الاتحاد السوفيتي على المحك. وإذا كان من المبكّر الحكم على نتائج هذه الحرب، إلا أنه من المؤكد أنها ستكون لحظةً مفصليةً في تاريخ النظام الدولي سيؤرخ لما قبلها ولما بعدها. وفي ظل العديد من الجوانب التي يتمّ التطرق إليها في تناول الحرب وتداعياتها، تبرز قضية الأسلحة النووية كواحدة من أهم هذه الجوانب وأكثرها خطورة.
ففي خطابه الذي أعلن فيه الحرب على أوكرانيا، استهلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلامه بتحذير بلاده لأوكرانيا من مغبّة امتلاك السلاح النووي((David E. Sanger, Putin Spins a Conspiracy Theory That Ukraine Is on a Path to Nuclear Weapons, New Yok Times, Feb. 23, 2022.)). لقد أوحى هذه الاستهلال بأن هدف روسيا من هذه الحرب على أوكرانيا هو من أجل منع الأخيرة من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، عزّز ذلك الاستنتاج التحركات العسكرية على الأرض؛ حيث توجهت طلائع الدبابات الروسية التي عبرت الحدود الأوكرانية إلى مدينة تشيرنوبيل، وفرضت سيطرةً مطلقةً عليها، وهي المدينة الشهيرة التي حدث انفجارٌ في أحد مفاعلاتها النووية عام 1989، وتمتلك حتى اللحظة مخزونًا من الوقود النووي على أراضيها. وبعد مضي أيام من الغزو الروسي، أطلّ الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو حليف بوتين ليخاطب الأوكرانيين بضرورة الانصياع لروسيا إذا ما كانوا حريصين على إبقاء دولتهم ككيانٍ سياسي قابل للحياة، وأن عليهم الكفّ عن مجرد التفكير بامتلاك السلاح النووي. وفي 27 فبراير/شباط 2022، أمر الرئيس بوتين قوات بلاده بوضع قوة الردع النووية في حالة تأهب قصوى((Maria Tsvetkova, Putin puts nuclear deterrent on alert; West squeezes Russian economy, Reuters, Feb 27, 2022.)).
إن تسليط الضوء على موضوع السلاح النووي بهذا الشكل يدفع المراقبين إلى التساؤل حول الدوافع خلف هذا الاستحضار النووي في الصراع الجاري، هل هذا الاستحضار يعبّر عن مخاوف جديّة لدى الجانب الروسي من برنامج تسلّح نووي لأوكرانيا؟ وبناءً على هذه المخاوف هل يمكن إدراج حربها ضد أوكرانيا ضمن فئة الهجمات الاستباقية لدرء خطرٍ أكيد؛ وهو المبرر الذي استخدمته سابقًا الولايات المتحدة في غزوها للعراق عام 2003؟ أم أن هذا الاستحضار يندرج ضمن الحرب المعلوماتية والبروباغندا من أجل تبرير الحرب وتسويقها على أساس الحروب العادلة؟
لا تُعدُّ الإجابة عن هذا التساؤل مهمةً سهلةً؛ نظرًا لشحِّ المعلومات المتوافرة حول هذا الموضوع النووي الذي لطالما حظي بالكثير من السرية والكتمان. ولذلك فإن نظرةً براغماتيةً للموضوع المطروح تستوجب البحث عن تداعيات الحرب على هذه القضية الحسّاسة، وتجاوز الاكتفاء بالتحقيق في الأسباب بما أن الغزو على أوكرانيا قد وقع بالفعل. إن واحدةً من التداعيات التي سوف تفرزها هذه الحرب سترتبط لا محالة بقضية انتشار الأسلحة النووية، وهذا الاستنتاج يتأتى ليس من مجرد أن الموضوع النووي قد اتخذ زخمًا في تبرير الحرب على لسان العديد من المسؤولين الروس، بل لأنه لم يمنعها في المقام الأول. فقد عمل الردع النووي كستارٍ عازلٍ في وجه اشتعال الحروب بين الدول الكبرى التي تملك السلاح النووي؛ وهو ما وفّر بيئةً اتسمت، على مستوى النظام الدولي، بشيءٍ من الأمن والاستقرار. ولكي يتضح المعنى الذي أرمي إليه لا بدّ من المرور سريعًا على السياق النووي لأوكرانيا خصوصًا في لحظة إعلان استقلالها عن الاتحاد السوفيتي.
التبادل المميت