من داخل الملعب يعبر الجمهور عن مشاعر السخط والاستياء من الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها، والتي عكستها مجموعة من الأغاني، بدءًا من أغنية “في بلادي ظلموني” لجماهير الرجاء الرياضي، مروراً بأغنية “صوت الشعب” لجمهور الوداد، وصولاً إلى أغنية “هادي بلاد الحكرة” لجمهور اتحاد طنجة، كل تلك الأغاني تحيل على مجموعة كاملة من المشاعر المعقدة، منها المعاناة والكراهية والألم والظلم.
ويبقى الشعور بالاغتراب السياسي لدى الجمهور من أهم المشاعر السياسية، فهو حالة يشعر فيها الشاب بعجزه عن المشاركة في الشأن السياسي، وانشغاله عن كل التطورات السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وعن أمور أخرى، دون وعي ودون شعور[42]، ويبرز ذلك في نسبة الانخراط في الحياة السياسية المؤسساتية، مما يعمق القطيعة بين الدولة والمواطن، يبرز ذلك في مجموعة من الأغاني من قبيل: “فهاد لبلاد عايشين فغمامة طالبين السلامة” … “فلوس لبلاد كاع كليتوها للبراني عطيتوها جينيراسيون قمعتوها” … “خلينا لكم لبيرو خدمو نتوما عايشين فبلاد نيرو بلاد الغمة” … “مدرج لاتيني فبلاد لميزرية” … “ملينا لبلاد وكرهنا لقانون”، “والعيشة فلماروك ماهي ساوية”، “أمتنا راها مريضة”. “مرضوها بالمشاكل وفساد الحكومات” … “والعربي عايش في الويل مستقبل كله ظلمات” … “والباقي شفارة وعلينا حكارة كيعمرو شكارة بفلوس الفقراء” … “رجاوي عايش جوال لا خدمة لا مشروع لا مال” … “في شمال افريقيا وضعية هي شي عايش شي مخبي شي مضوي شي مصدي شي مسلك شي معدي تال عند سيدي ربي”. بمعنى أننا نعيش في هاته البلاد عيشة مغمومة نطلب من الله السلامة، المال في البلاد كلها اختلستموها وقمعتم هذا الجيل، تركنا لكم المكاتب اشتغلوا فقط أنتم، بلاد سوداء، مللنا في البلاد وكرهنا قانونها، العيشة في المغرب لا تساوي شيئاً والأمة مريضة بسبب المشاكل وفساد الحكومات، والعربي يعيش في الويلات لا مستقبل له، والبقية سارقون يحتقروننا يملؤون جيبوهم من أموال الفقراء، مشجع الرجاء يعيش مسافر لا شغل لا مشروع لا مال، في شمال افريقيا الوضعية مزرية.
في هذا المثال يُلاحَظ أنّ المشجعين انتقلوا بين وصف ثلاث وضعيات للجماهير؛ من المغرب ثم الأمة العربية ثم دول شمال افريقيا، مما يؤكد وعي الجماهير بالسياقات التي تمر منها البلاد، ثم تنبأ بتلك التفاعلات مع المحيط المحلي والإقليمي، تفاعلات سيكولوجية تنبئ عن حالة من الاغتراب وأزمة تواصل بين المؤسسات التقليدية للوساطة والتأطير والجماهير.
إنها حالة من الانعزال وعدم الانتماء إلى الجماعة السياسية والنظام السياسي، ويعزى هذا الشعور إلى إحساس الأفراد بعدم جدوى تأثيرهم على النسق السياسي، وانعدام الشعور بالمعنى الذاتي، إضافة إلى غياب العدالة والشرعية، فترتفع العدوانية اتجاه السلطة وآلياتها سواء كانت أيديولوجية أو مادية[43]، ويبدو أن الأفراد لا يفوتون أية فرصة في التعبير عن مشاعرهم السياسية، فما كان من تلك الانفراجات سوى مباريات كرة القدم.
على سبيل الختم:
يبدو أن السياق العام للمغرب كان له أثرٌ كبيرٌ على النفسية العامة للمجتمع المغربي، التي تتميز بتصاعد الخطاب الاحتجاجي، ونسبة الحرمان، وقد انتقل كل ذلك إلى جماهير ملاعب كرة القدم، هذه المشاعر السياسية لا تنفصل عن تلك التي يشعر بها المجتمع، إنها تعبر عن أزمة مؤسسات التمثيل والوساطة في بناء مواطنة حقة، يحمل فيها الفرد مشاعر سياسية مليئة بحب الوطن، واحترام المؤسسات السياسية، والانخراط فيها، وجعلها خياراً أساسياً، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي في انتقال تلك المشاعر السياسية بين الشباب، إنها شكل من أشكال التعبئة التضامنية بين أفراد يشتركون في الأفكار والسلوكات والمشاعر السياسية.
هذه المشاعر تؤثر على السلوك السياسي للأفراد، وتحديداً على مستوى المشاركة السياسية، بحيث يفضل الأفراد المشاركة غير المؤسساتية، ويهمشون ما دونها، كعدم الانخراط في الأحزاب السياسية، ومقاطعة أنشطتها، وعدم التصويت في الانتخابات، أو الترشح لها، أو تولي تدبير الشأنين العام والحزبي، إضافة إلى ارتفاع نسبة التعاطي إلى الاحتجاجات والعنف السياسي.