صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

"بائع الحكايات" - (بين المعري ودانتي)
عاش أبوالعلاء المعري مؤلف «رسالة الغفران» قبل دانتي مؤلف «الكوميديا الإلهية»، بأربعة قرون. لكنهما، رغم ذلك، التقيا. نعم التقيا في رواية، حيث يتنافسان، وبحضور جمع كبير من الناس، ولجنة تحكيم للمفاضلة بين أدائهما، مذكرة إيانا بما نشاهده اليوم على الشاشات من مسابقات، حيث يقرأ كل واحد منهما من نصوصه الحقيقية، محاولاً إثبات أنه الأفضل من منافسه في وصف الجنة. «إنها مبارزة بين الشاعرين الكبيرين حول الفردوس»، كما يقول مؤلف الرواية، ستانيسواف ستراسبورغر، وهو كاتب بولندي يعيش في ألمانيا، ويتنقل بين بيروت ومسقط رأسه وارسو.
وحين سئل الكاتب عما إذا كانت هذه المبارزة الشعرية تدخل في خانة الصراع أم خانة الحوار، أجاب: «إنه صراع ولكن بالكلمات. والكلمات لا تسفك الدماء. إنها محاولة لاكتشاف عالم آخر غريب من خلال النصوص الأدبية المقتبسة من مصادرها الأصلية، أخذاً بعين الاعتبار أنه لا يمكن احتكار الحقيقة، ولا توجد حقيقة واحدة بل ثمة حقائق عديدة».
اسم الرواية التي تضمنت هذا السجال هو «بائع الحكايات»، وتتمحور حول مهندس بولندي يذهب إلى سوريا ضمن فريق تقني للتنقيب عن الغاز في صحراء دير الزور في شرق سوريا، فيقع في غرام هذا البلد من زيارته الأولى، ليترك عمله في مجال التنقيب عن الغاز ويبقى في سوريا. وبما أنه يهوى الثقافة والمجتمع، فقد أصبح حكواتياً يروي ما تحدث له من قصص وحكايات.
موضوع الرواية يعيدنا إلى الجدل المحيط بأوجه الشبه بين «الكوميديا الإلهية» و«رسالة الغفران»، وعلى خلاف اعتقاد سائد في الغرب حول أن العرب وحدهم من يقول بذلك، فإن الحقيقة هي أن أول من اكتشف هذا التشابه هو المستشرق الإسباني بلاسيوس عام 1919 بإعلانه أن دانتي (1256- 1321) في «كوميدياه الإلهية» قلَّد ليس فقط «رسالة الغفران»، وإنما أيضاً كتاب «الفتوحات المكية» لمحيي الدين بن عربي، كما استوحى من قصة الإسراء والمعراج.
ينطلق الرفض الغربي لتأثر دانتي بالمعري من الزعم بأن الأول لم يطلع أصلاً على «رسالة الغفران»، المكتوبة بالعربية، ولكن هناك ما يفيد بأن ألفونسو العاشر ملك قشتالة أمر بترجمة الكتابات المتصلة بقصة الإسراء والمعراج من العربية إلى القشتالية، وبعد ذلك طلب ترجمتها من القشتالية إلى اللاتينية والفرنسية القديمة في نفس السنة؛ لإذاعتها في ما وراء الحدود الإسبانية، وهو ما يرجح أن دانتي قد اطلع على تلك الترجمة وأفاد منها.
من حيث أراد مؤلف «بائع الحكايات» أم لم يرد، فإنه يحملنا على تذكّر القول الجدلي الشهير لأبي العلاء: «ويعتري النفس إنكار ومعرفة/ وكل معنى له نفي وإيجاب».

https://www.alkhaleej.ae/2023-10-27/%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7