سارتر ليس وجودياً
تُقرن الوجودية، كفلسفة ورؤية، باسم المفكر الفرنسي جان بول سارتر، وقد نندهش حين نقرأ أن سارتر نفسه لا تروق له التسمية. لقد قال ذلك في حوار مطوّل أجراه معه ميشيل كونتا، سائلاً إياه عما إذا كان يقبل اليافطة التي تقول بأنه وجودي. بالغ سارتر في نفي ذلك واصفاً مفردة «الوجودية» بالسخيفة، وأكد أنه ليس من اختارها. «لقد ألصقوها بي»، قبل أن يستدرك: «وقبلتها.. لكني هذه الأيام لا أقبلها»، مضيفاً أنه لم يعد أحد يطلق عليه وصف الوجودي «إلا في الكتب الدراسية التي لا تعني شيئاً».
نفي سارتر لوجوديته يُذكرنا بعبارة لكارل ماركس قالها عن نفسه: «ما أنا متأكد منه هو أني نفسي لستُ ماركسياً»، لكن سياق نفي ماركس لماركسيته مختلف عن نفي سارتر لوجوديته، فالأول أراد القول إن النظرية التي كان منكبّاً على وضعها لم تكتمل بعد، ولعله قصد أنها لن تكتمل حتى بعد وفاته، فهي ليست قالباً جامداً لا يأتيه الباطل من يمينه أو شماله، ولعله أراد القول أيضاً إن نظريته نتاج جهد جماعي شاركه فيه سواه، أما سارتر فقد أراد التحرر من مفهوم لم يكن هو واضعه، ولكنه نُسب إليه، ولكن حين سأله محاوره ألا يفضل أن يوصف بالوجودي بدل الماركسي، أجاب: «إذا كانت اليافطة ضرورية، فأنا أُفضل الوجودية»، أي نفس اليافطة التي وصفها بالسخيفة.
ويبدو أن محاوره أراد إحراجه حين ذكّره بإعجابه بالزعيم الكوبي، يومها، فيدل كاسترو. لم ينكر سارتر ذلك، وقال إنه ما زال يشعر «ببعض الصداقة من أعماق قلبي للرجل الذي عرفته. لقد أحببته، فهو شخص غير عادي. لقد أحببته بشدة»، وردّاً على سؤال تالٍ عمّن يحبّه بعد كاسترو، أجاب: ماو، قاصداً مؤسس الصين الحديثة ماوتسي تونج، مشيراً إلى أنه لم يفهم الثورة الثقافية جيداً، لكن ذلك لا يعني أنه ضدها، وإنما لم يستطع بعد تكوين فكرة واضحة عنها.
الحوار الذي جاءت فيه هذه الأقوال، وترجمه أحمد عمر شاهين، عبارة عن مكاشفة سعى المحاور إلى استدراج سارتر إليها، عبر سؤاله عن موقفه من شخصيات كثيرة مثل فيكتور هوجو وليفي شتراوس وألبير كامو الذي وصفه ب«الشاب الجزائري النزق» في إشارة إلى مكان ميلاد كامو، الجزائر، كما دفع المحاور بسارتر للحديث عن بعض تفاصيل علاقته بسيمون دي بوفار، التي عنها قال «إنها كانت الوحيدة التي تشبهني في معرفتها بنفسي»، وإنها «حظّه الحسن والفريد»، مضيفاً: «كثيراً ما انتقد الواحد منا الآخر.. لا يوجد ما يمنع النقد القاسي حين يُسعدك الحظّ في أن تحبّ الشخص الذي تنتقده».
https://www.alkhaleej.ae/2023-12-25/%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D8%B1-%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%8B/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7