جوهر القضية: حق العودة
إبراهيم شريف السيد
أكثر من مئة قرار دولي ينص على حق الفلسطينيين في العودة لوطنهم وديارهم، ولكن من دون جدوى، فالمجتمع الدولي لازال يصم آذانه عندما يتعلق الأمر بأنين الشعب الفلسطيني، لأسباب تتعلق بارتباط المصالح الإسرائيلية بالمصالح الأميركية والغربية عموما، ولأن السيادة هي لقانون القوة وليس لقوة القانون.
أول وأشهر هذه القرارات هو القرار 194 الذي صدر عقب نكبة العام 1948 بأشهر والذي اشترط قبول ''إسرائيل'' بحق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم كشرط لقبولها في الأمم المتحدة. وقد دفع الكونت برنادوت حياته ثمنا لتوصيته المرفوعة للأمم المتحدة بشأن حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى بلاده والتعويض عن الأضرار التي لحقت به.
الفقرة الثانية من المادة 13 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان صريحة في حق العودة لأي فرد حيث تنص على: ''يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها''. وهذا الحق فردي لكل فرد من أبناء الشعب الفلسطيني، ولا يمكن لأي سياسي أن يتنازل عن شيء لا يملكه.
ومن أجل مقاومة مشروعات إنهاء القضية الفلسطينية، فقد شهد الأسبوع الماضي تظاهرة فلسطينية وعربية ودولية كبرى انتصارا للشعب الفلسطيني وحقه في العودة. فقد حضر نحو 5.000 مندوب من مختلف بقاع العالم المؤتمر العربي الدولي لحق العودة الذي رعته العاصمة السورية دمشق. وقد شارك من البحرين ممثلون عن جمعية العمل الوطني الديمقراطي ''وعد'' وجمعية مقاومة التطبيع وجمعية الشباب الديمقراطي وجمعية نساء من أجل القدس.
الملاحظ هو غياب ممثلي السلطة الفلسطينية عن هذا المؤتمر، وعن المؤتمر الذي عقدته الجاليات الفلسطينية في أوروبا في مايو/ أيار الماضي. ويعتقد الكثير من الناشطين الفلسطينيين في مجال حق العودة بأن السلطة الفلسطينية ممثلة في محمود عباس على استعداد لتقديم تنازل سياسي تاريخي للدولة الصهيونية في هذا الملف المهم الذي رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تقديم تنازل فيه أثناء مفاوضاته مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني إيهود باراك في الأيام الأخيرة لولاية الرئيس الأميركي بل كلينتون في كامب ديفيد نهاية العام 2000 رغم الضغوطات الكبيرة التي مورست عليه.
وقبل هذا المؤتمر، في مايو/ أيار من هذا العام، تدفق 7.000 فلسطيني على العاصمة الدنماركية كوبنهاجن لحضور المؤتمر السادس لفلسطينيي أوروبا في الشهر نفسه الذي صادف الذكرى الستين لنكبة العرب في فلسطين، رافعين شعار ''ستون عاما والعودة أقرب''، وأكدوا حقهم في العودة كما حذروا من إبرام أية تسوية للصراع مع ''إسرائيل'' لا تراعي الحفاظ الكامل لهذا الحق. وقد تخلف السفير الفلسطيني في كوبنهاجن عن حضور هذا المؤتمر لأسباب ربما تتعلق بالمواقف المترددة والملتبسة للسلطة الفلسطينية في رام الله حول التمسك بحق العودة.
وقد عقد أول اجتماع لمؤتمر فلسطينيي أوروبا في لندن العام ,2003 تلاه مؤتمرات سنوية في برلين ثم فيينا ومالمو بالسويد وروتردام بهولندا. وهناك مؤتمرات مماثلة في دول أخرى مثل الولايات المتحدة. وبحست الدكتور سلمان أبوسته الخبير الأهم في هذا الملف، فإن فلسطينيي أوروبا والأميركتين أكثر حراكا في موضوع حق العودة؛ لأن الأجواء الديمقراطية في تلك البلاد تشجع على الاهتمام بالقضية الفلسطينية، بينما أجواء القمع في العالم العربي تعمل ضدها!
وقد وجه النشطاء العاملين في مجال حق العودة انتقادات للمبادرة العربية للسلام التي تبنتها قمة بيروت العام ,2002 والتي ألمحت إلى أن تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الخاص بحق العودة سيتم بشكل تتفق عليه الأطراف، وهو ما يرفضه أغلب الفلسطينيين، باعتبار أن هذا الحق ليس قابلا للتفاوض أو التنازل.
حق العودة هو أحد أهم حقوق الشعب الفلسطيني، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. فلا يمكن تخيل حل للقضية الفلسطينية ببقاء نصف الشعب الفلسطيني مشردا خارج أرضه. ولا يمكن لأي قيادة فلسطينية وطنية التخلي عن هذا الحق بأي حجة؛ لأن هذا الحق فردي وجماعي، إنساني وسياسي، لا يملك فرد أو سلطة التخلي عن حقوق أي فرد فلسطيني، كما لا يحق لأب أو جد أن يتخلى عن حق أبنائه وأحفاده في العودة.
المادة الأخيرة من إعلان دمشق للدفاع عن حق العودة الفلسطيني، أشارت إلى أمر مهم، وهو أن مرور 60 عاما على اغتصاب فلسطين من دون تحقيق عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم وأراضيهم يلزم هيئة الأمم المتحدة بإسقاط عضوية الكيان الصهيوني وطرده من المنظمة الدولية، كون العودة شكلت شرطاً لقبوله. ومن باب أولى أن تتخلى الدول العربية عن أي مساع لتطبيع العلاقات مع دولة العدو وترفض دعوات ضمها في منظمة إقليمية كما يدعو لذلك، مع الأسف والاعتذار الشديد للشعب الفلسطيني، وزير خارجية البحرين.
حق العودة هو جوهر القضية الفلسطينية ومكونها الأساس وأي مساس أو نقصان أو تنازل أو مساومة على هذا الحق سيكون خيانة لحقوق الشعب الفلسطيني، ولكل شعب مهجر ومضطهد في العالم وانتصارا للقوة الجائرة. في الدول التي حكمتها الأقليات الاستيطانية البيضاء في القارة الإفريقية، في الجزائر وزيمبابوي وجنوب إفريقيا، لم يساوم سكانها الأصليون على حقهم في أرضهم فقدموا التضحيات الكبيرة، وفي نهاية المطاف تحقق الاستقلال وغادرها المستوطنون أو قبلوا أن يعيشوا سواسية مع سكان البلاد الأصليين. فلسطين وشعبها الذي أصبحت قضيته رمزا عالميا للنضال ضد الاستعمار والهيمنة، حيث يرفع علمها في كل تظاهرة ضد الحرب، لن تكون استثناءا لقاعدة أن الشعوب المناضلة تنتصر في نهاية المطاف.
وعلى صعيد الساحة الفلسطينية والعربية، أصبح واضحا اليوم أن المهرولين لتوقيع اتفاقيات السلام مع العدو من أجل إقامة دولة فلسطينية ناقصة السيادة هم القادة أنفسهم المستعدون للتنازل عن حق العودة والتخلي عن التنفيذ غير المشروط للقرار ,194 وهم أنفسهم المتآمرون على حصار غزة وإغلاق معبر رفح، وهم ذاتهم المتحمسون للتطبيع مع الكيان الصهيوني. حق العودة عقبة كأداء في وجه المطبعين والمفرطين والانهزاميين، وتنامي الدعوة من قبل الجيل الثالث والرابع من فلسطينيي المهجر سيجعل من ''تسوية نهائية'' تفرط بهذا الحق خيانة عظمى ستنهي المستقبل السياسي لأي زعيم وقائد، وقد تنهي حياته.