الحرية جوهر الحياة الانسانية الكريمة
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ: لقد ناضلت البشرية طويلا من أجل الخلاص من استعباد الناس بعضهم لبعض، لاسيما ما تعرض له الافارقة السود أبان الموجات الاستعبادية الكبيرة التي تمثلت بتجارة الرقيق، وبيع وشراء البشر على نحو يهين كرامة الانسان ووجوده ومكانته التي أعلى الله تعالى من شأنها كثيرا، وقد كانت الجزيرة العربية قبل الاسلام تعج بظاهرة الاستعباد بأشكاله المتعددة، الامر الذي حرمه الاسلام بصورة قاطعة بعد البعثة النبوية الشريفة، وبهذا تكون التعاليم الاسلامية قد وضعت حدا لمصادرة حرية الانسان وصون كرامته.
الاسلام والحرية
ولعل القول الذي يدل على حرية الاسلام يأتي من باب التأكيد ليس أكثر، لأن جميع الدلائل التأريخية وحتى عصرنا الراهن أثبتت بما لا يقبل الشك، أن الاسلام فكرا وعملا هو دين الحرية، مع عدم السماح قطعا بالتعرض للافكار او الآراء أو المعتقدات الاخرى أيا كان مسارها وتوجهها الفكري او الديني.
فقد جاءت الجملة المركزة المختصرة في كتاب (من عبق المرجعية) على لسان سماحة المرجع الديني آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) لتؤكد هذا المضمون إذ يقول سماحته في هذه الجملة: (الاسلام وحده دين الحرية).
ولعلنا يمكن أن نلاحظ في كثير من الطروحات والنظريات الفكرية جملة من التناقضات التي تعصف بالفكر عندما يتعلق الامر بتطبيقه على الارض، وهذا التناقض لابد أن يشكل عقبة واضحة بسبب عدم حالة عدم التوازن بين الفكر وتحويله الى عمل ملموس، أما في الاسلام فإن سهولة مبادئه وتعاليمه واقترابها من روح الانسان وطبائعه تجعل منه الدين الجامع للفكر والعمل، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حينما يؤكد على أن في الكتاب المذكور نفسه: (الاسلام دين الحريات، مبدأً وشعارا وواقعا وعملا).
ولكل دين أو نظرية أو فكر جانب تنظيري يدعمه التطبيق، ويؤكد صحته من عدمها، وهكذا الحال بالنسبة للدين الاسلامي، فهناك مبادئ واضحة وتعاليم ثرية وسهلة التنفيذ، ومطلوب أن يتحول الجانب النظري الى عمل، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (هناك حريتان موجودتان في الاسلام، حرية الفكر حيث يقول تعالى *لا إكراه في الدين* وحرية العمل: للقاعدة المسلمة لدى الفقهاء -الناس مسلطون على أنفسهم).
لا إكراه في الدين
وتؤكد هذه الآية القرآنية الشريفة، على جوهر الاسلام، وتثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحرية هي جوهر الاسلام ايضا، ليس في القول الذي يفتقر للتطبيق، بل يأتي مضمون الآية ليؤكد أن الحياة برمتها بما تنطوي عليه من أنشطة متعددة، تتوزع على الجانبين الفكري والنظري، محكومة بهذا المبدأ العظيم، الذي يتيح لقدرات الانسان ومواهبه وابداعاته بالظهور الى العلن بحرية كاملة، ليسهم الناس جميعا في بناء الحياة الانسانية اللائقة، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: لقد (التزم الاسلام بمبدأ -لا اكراة في الدين- في مختلف مجالات الحياة).
وغالبا ما تحتاج الافكار الى تجارب فعلية ملموسة تؤكدها وتزيدها رسوخا في الواقع، فحين نقول أن الاسلام لا يجبر الآخرين على انتهاج فكر او مبدأ محدد، قد يبدو هذا القول كلمات مجردة لا اكثر، ولكن حين يكون أعلى قائد اسلامي لأعظم دولة في تأريخ البشرية ألا وهي الدولة الاسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فحين يكون هذا القائد هو أول من يطبق المضمون الفكري للمبادئ الاسلامية، فهذا دليل قاطع على اقتران المبدأ الاسلامي بالعمل الفعلي، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (لم يقتل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- احدا من المشركين بسبب عدم اسلامه، ولا اجبر احدا على الاسلام، بل تركهم على دينهم، مع انه باطل وخرافي، لكي لا يسلبهم حرية الفكر والدين).
وطالما أن النموذج هنا هو القائد الاعلى للدولة الاسلامية، فمن باب أولى أن الفكر الاسلامي يهدف أولا وأخير الى تحرير الانسان من كل العوارض والعقبات التي تحد من ابداعه وحريته، ولهذا ليست هناك فوارق بين مسلم وغيره، حتى عندما كان الاسلام في اوجه وأوائل ظهوره، حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتمتع بعلاقات نموذجية مع أناس مسيحيين ويهود، من دون ان تفرض هذه الصداقة شروطا على أولئك الناس غير المسلمين، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- الصديق المسيحي، والجار اليهودي، دون أن يجبر احدا منهم على الاسلام، مع انه كان الحاكم الأعلى في الجزيرة العربية، وكان بيده السيف والمال والقوة الكافية)
قدسية حرية الرأي
ولكي تترسخ قيمة الرأي وحرية الناس في قول ما يريدون قوله، فقد أصبحت هذه القضية على درجة عالية من الاهمية بالنسبة للاسلام، حيث تصل الى درجة التقديس، بمعنى أن رأي الانسان غير خاضع للقيود، وهذا المبدأ ينطوي على القدسية وعدم المساس به، تحت أية ذريعة كانت، باستثناء ما يلحق الضرر بالآخر، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (حرية الرأي في نظام الله وقانون الاسلام، اكثر تقديسا حتى من الشهادتين، فالاسلام يريد ان يجعل الناس احرارا) ويضيف سماحته قائلا ايضا في الكتاب المذكور نفسه: (يقول لك الاسلام، اعمل ما تشاء، فلك حرية العمل، شريطة ألا تضر غيرك).
ولكن ما جاء به الاسلام توجيهات وارشادات لصالح الانسان نفسه، وهو حر في قبولها والعمل بها من دون اكراه، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (لا ضغط ولا جبر ولا إكراه ولا كبت للحرية في الاسلام، ولكن ثمة توجيهات وارشادات تبين لك السلوك الأحسن) ويضيف سماحته أيضا ليؤكد جوهر الحرية في الاسلام: (لا يقول لك الاسلام اين تسكن؟، واين تذهب؟، بل يقول لك ان الله خلقك، وهو الذي اعطاك الفكر والعقل، فلا تكن عبد غيرك).
ولذلك فإن الحرية التي يعنيها الاسلام ويعلنها على الجميع هي حرية من طراز خاص، عجز العالم اجمع عن تحقيقها حتى اللحظة، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (الحرية التي يمنحها الاسلام في مختلف المجالات، ليس لها نظير، ولا شيء يقرب منها في تاريخ العالم، حتى في هذا اليوم المسمى بعصر الحريات).
شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/آيار/2012 - 9/رجب/1433