هل نحتاج للمفسدين؟
رضي الموسوي
رغم تشديدات القيادة السياسية على الالتزام بقوانين وأعراف الدولة والدفع بعجلة الشفافية، إلا أن بعض المسؤولين لا يرى في القانون إلا دابة يمتطيها حينما يشاء، وعندما يريد الدوس عليه فإنه لا يخاف من أحد!
وتأكيد رئيس الوزراء يوم الأحد الماضي أن <>الأنظمة والقوانين لم توضع إلا لتحترم وتطبق>>، هو تأكيد موجه بشكل رئيس إلى المسؤولين الذين لايزالون يتصرفون في مؤسسات الدولة وكأنها عزبة أو مزرعة خاصة لهم ولعائلاتهم. وطيلة الأسابيع القليلة الماضية تكشفت الكثير من المعلومات حول الأداء الإداري والمالي للكثير من هؤلاء المسؤولين، وهي إخفاقات ليست محصورة في تقرير أملاك الدولة الذي يزكم الأنوف، واستدعى تدخلا مباشرا من جلالة الملك عبر توجيهه بتشكيل لجنة وزارية للنظر في محاور لجان التحقيق، بل تمتد لتصل إلى عصب العمل الإداري والمهني في الدولة
لقد تحدث جلالة الملك ورئيس الوزراء وولي العهد، وحثوا على الالتزام بالنظم والقواعد المؤسسة للدولة الحديثة، بينما يمارس وزراء ووكلاء ووكلاء مساعدون ومديرون ومن في حكمهم.. يمارسون خلاف ذلك، وكأن في آذانهم صمماً لا يسمعون ولا يفقهون، وكأن لا علاقة لهم بهذه التوجيهات، بل يمعنون في الفساد الإداري والمالي، وبعضهم يتنقل من وزارة، إثر شبهات فساد متهم بها، إلى وزارة أخرى ليواصل ذات السلوك والنهج. هل نحتاج أن نسمي بعضاً من هؤلاء؟ لا أعتقد ذلك، فهم معروفون في الوزارات، ويتصرفون بتباه بما يفعلونه يوميا. ربما أيقنوا أن ديوان الرقابة المالية بلا أسنان، وان توجيهات جلالة الملك بسرعة تفعيل آلية تشكيل ديوان الرقابة الإدارية لن تجد طريقها إلى النور قريباً، وأن لجان التظلم ماتت من دون إعلان وفاة.
هل نحتاج إلى مثل هؤلاء في مؤسسات الدولة؟ إنهم كالتفاحة الفاسدة، إن لم يجر التخلص منهم فسوف يمتد العفن إلى باقي الدوائر والمؤسسات وتتحول المـــؤسسات الحكوميــة إلى واقع غير قادر على مواكبة أي من التوجهـات المعلنــة للسنة الحالية، فما بالكم بـ 2030!
وحتى لا يتم القفز من ملف إلى آخر، وحتى لا تضيع الحقائق المرة التي تكشفت في أكثر من اتجاه، فقد حان الوقت لتفعيل الأدوات الرقابية الجادة البعيدة عن أسر العلاقات العامة و(البوزات) الإعلامية التي تكثر كلما اشتدت الأزمات لتقدم صورة مغايرة للواقع. فلا يمكن وضع حلول جدية لأزمة الإدارة في وزارة أو مؤسسة حكومية في الوقت الذي يتربع على هذه الإدارة مسؤول لا يفقه العمل الموكل إليه، نظراً لتعيينه في موقع المسؤولية لأنه محسوب على مسؤول هنا أو مسؤول هناك.. ثم نأتي ونتحدث عن الهدر في المال العام وفي تراجع الأداء.
هل نحلم؟
يمكن، لكن الدوائر الحكومية بحاجة إلى عمليات تمشيط واسعة تشبه عمليات التمشيط العسكرية للوقوف على حقيقة ما يجري ومعرفة مصير الكادر الوظيفي المخلص الذي يدفن الآن بين الأعشاب الضارة والفاسدة في الكثير من المواقع الحكومية.. هذا الكادر الذي دفعت الدولة لتعليمه كلف مالية عالية وصرفت جهود كبيرة ليكون في الموقع المناسب حتى جاء الفساد وأزاحه من مكانه.
نحن في أمس الحاجة إلى عقلية تصلح ما أفسده الفاسدون.