تجمع سني.. دعوة تتجاوز حدود البحرين
لويس جرجس
لويس جرجس
قرأت خبرا محلياً أثار انزعاجي الشديد من منطلق الحرص على مستقبل الشعوب العربية وقدرتها على السير في طريق التقدم الذي سبقتها إليه شعوب كثيرة.
أما الخبر فهو وبالنص ‘’دعا النائب السلفي المستقل جاسم السعيدي جميع الأطياف من مفكرين وعلماء دين وسياسيين واقتصاديين إلى تشكيل تجمع سني كبير من اجل خدمة الوطن والمواطن وإنجاح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى’’. (الوقت ـ الخميس 9/10/2008).
وما لفت نظري وأثار انزعاجي هو عبارة ‘’تجمع سني’’. ولكن قبل التوضيح ثمة توضيح آخر واجب، وهو أني لست هنا في صدد الحديث عن النائب السلفي صاحب الدعوى، ولا عمن يوجه إليهم دعوته، ولا عن الفروق بين السنة والشيعة، ولا عن مضمون المشروع الإصلاحي الذي ألمس إجماعا من أبناء البحرين على الإشادة به والتطلع إلى تحقيق كل بنوده من أجل المستقبل الأفضل للمملكة.
أما ملاحظتي الممزوجة بالانزعاج فتنصب على مضمون الدعوى، والتي أرى أن فيها من الخطورة ما يتجاوز حدود البحرين ليصل إلى كل بلد عربي يضم بين جنباته أطيافا متعددة من معتنقي الأديان والمذاهب والأعراق المختلفة. كلهم أبناء وطن واحد يحتضنهم الوطن سواسية دون تفرقة، ويجتمعون على هدف واحد هو العمل على تقدمه ورخائه في ظل مساواة وعدل يسود بين الجميع.
هذا هو الوضع الطبيعي أو الهدف الذي يسعى إليه كل الشرفاء في هذا الوطن العربي الكبير، والذي يجب أن يعمل من أجله كل المخلصين في كل بلد من بلدانه، أما خلاف ذلك فهو دعوة إلى الانتحار عبر التفرقة والتشرذم، وما أكثر ما عانينا من هذه الحالات في لبنان وفي العراق وفي الجزائر والمغرب ومصر والسودان.
وحتى يكون الحديث نابعا من المعرفة اليقينية للوقائع سيكون حديثي عن مصر وأعتقد أن كل بلد عربي لديه من التجارب المشابهة ما يدفعه إلى التمسك بأسس التاريخ المشترك بين أبنائه المختلفين في العقيدة والمذهب، المتحدين في الوطن الذي يتسع للجميع.
ففي كل مرة تطل فيها نار الفتنة الطائفية من جحورها على أبناء مصر وتحاول أن تفرق بينهم على أساس الدين يتذكرون دروس التاريخ المشترك التي لا يجب أن تنسى أبدا.
حيث تحكي كتب التاريخ أنه عند مناقشة وضع دستور لمصر في 1923 وكانت البلاد خاضعة للاحتلال الانجليزي، أراد ساسة دولة الاحتلال ممارسة لعبتهم المعروفة ‘’فرق تسد’’ وحاولوا تضمين الدستور النص على التمثيل النسبي للمسيحيين في البرلمان وهو ما رأت القوى الوطنية من مسلمين ومسيحيين أنه محاولة لشق الصف الوطني وتقسيم الوطن على أساس ديني، فكان الرفض التام لهذه المحاولة هو الرد الوطني عليها.
وهكذا خرج الدستور خاليا من هذا النص وبقيت مصر وطنا للجميع بعد أن شارك أبناؤه متحدين في الثورة على المستعمر في العام 1919 ـ تحت شعار كبير هو ‘’الدين لله والوطن للجميع’’ ـ حتى اضطر المستعمر إلى التسليم بحريته.
إنه مجرد مثل، وكلي يقين أنه يوجد الكثير من أشباهه مما تختزنه ذاكرة التاريخ في كل بلد عربي مما يؤكد حرص أبناء هذا البلد أو ذاك على العيش معا في تآلف ومساواة بغض النظر عن اختلاف الأديان والمذاهب. فالأصل في الحياة الإنسانية هو الاختلاف الذي لولاه لما تقدمت البشرية.
والآن آن لنا أن نعود إلى الخبر الأصلي فما أستوعبه أن توجه الدعوة للعمل الوطني ـ أيا كان هذا العمل ـ إلى جميع أبناء الوطن بغض النظر عن الدين أو المذهب. فلا خير في عمل وطني إن كان قائما على أكتاف المنتمين إلى دين محدد أو مذهب معين، مع إقصاء المنتمين لدين آخر أو مذهب مخالف.
الأصل في العمل الوطني هو جمع أبناء الوطن تحت راية واحدة ثم بعدها يذهب كل منهم إلى ممارسة معتقده الذي يؤمن به بينه وبين ربه، أما أن يكون العمل الوطني قائما على أساس الدين أو المذهب فهو ما يتمناه أعداء الوطن لكي نظل ندور في حلقة مفرغة من الخلافات والتشرذم بدلا من التركيز على الأهداف الكبرى التي تحقق التقدم لشعوبنا وهي الديمقراطية والمواطنة والعدالة.
وبمناسبة المواطنة أعود إلى مناقشات جرت في البرلمان المصري العام الماضي حول هذا المبدأ المهم، حيث أبدى النواب من المنتمين إلى الإخوان المسلمين اعتراضهم عليه وهو ما أثار القوى الوطنية التي ترى فيه مبدأ أساسيا لتقدم الوطن القائم على المساواة في الحقوق والواجبات.
- من أسرة تحرير «الوقت»
كاتبوا جرجس بتعليقاتكم وملاحظاتكم:
louis.girgis@alwaqt.net