بعد خطيئة التجنيس... قُل لي يا وطني لمن تكون؟
يا وطني... يا أعز من الدم والروح عندي، قل لي إلى أين أخذوك، وإلى أين هم آخذوك؟
يا وطني... عزيز علي أن أراك هكذا، وعزيز علي أن أعزيك، إذ لا سبيل عندي سوى العزاء.
يا وطني... آآآه وألف آه، لقد ظلموك حين أجبروك على تبني أبناء ليسوا من نسلك ولا من رحمك ودمك ولحمك، إنما هم غرباء عنك.
غرباء عن تُرابِك، عن بحرك، عن سمائك، عن مائك العذب، وعن هويتك.
غرباء: بعضهم من بادية لا يعرفون سوى صيد الضبي، وبعضهم من ضفاف نهر يأبى بحرك الصافي الالتماس به، وبعضهم غريب لا يعرف من أنت، وبعضهم لا يجيد لغتك لغة الـ «ظ».
يا وطني... لقد افترى عليك البعض حين قالوا إنك بحاجة إلى عقول فاعلة مما استوجب عليهم -حسب قولهم- أن يتبنوا لك أبناء ذوي عقول.
إنما أنت تعلم، والدنيا كلها تعلم، والسماء تعلم، أنك لست بحاجة إلى عقول، بل كنت ولا تزال تُصِّدر العقول إلى بقاع ضمُرت فيها العقول.
وقد افترى عليك البعض الآخر بالقول؛ أنك بحاجة إلى سواعد عاملة، فكان لزاما عليهم - كما يقولون - أن يخلقوا لك هذه السواعد. بيد أن هذه فرية يرفضها العقل والواقع، إذ السماء تشهد؛ أن سواعد بعض أبنائك معطلة، هاجرت بعضها، وظلت بعضها تقتات مما تيسر، بينما برحت فئة أخرى صابرة عسى أن يستجيب القدر.
وهناك ثمة من ناصر منهج التبني «ونعني به التجنيس بالطبع» بالادعاء أن متطلبات التحضَّر والحضارة ودواعي الإنسانية تقتضي ذلك، إلاّ أن هذه الفرية هي الأخرى باطلة، فالحضارة والإنسانية بريئتان من هذه الخطيئة... فأية حضارة وأية إنسانية يا ترى تستجيب لهذه الخطيئة؟.
هل من التحضَّر إغراق بلد لا يتعدى حجمه حجم محافظة أو عاصمة لدولة مجاورة لهكذا أجناس؟.
وهل من الإنسانية أن نُسخي في العطاء بالمسكن والعمل وغيرهما لغريب لا يعنيه سوى الارتزاق، في حين نبخل بهذا العطاء على أمة لها الأفضلية في كل ذلك بحكم انتمائها وولائها لهذا الوطن.
ولماذا لا نلمس هذا التحضّر وهذه الإنسانية في دول كالتي جاء منها هؤلاء الغرباء، أو على الأقل في دولة شقيقة جارة لنا؟.
يا وطني... والله إنما قيل عنك وفعلوه بك كان ظلما، وأن ما أظهروه من أسباب كان فرية، لا يمثل هذا وذاك عين الحقيقة، إنما قد تكون هناك ثمة غاية في نفس يعقوب.
إني لا ألوم ولا أعجب ممن خلق هذه الفرية، فلربما نتخذ من غايته الخفية عذرا، إنما ألوم أهلي... ألوم نواب هذا الوطن المفترض أن يكون قولهم الفصل...
ألوم رجال الدين المفترض أن يكونوا أشرف وأصدق القائلين...
ألوم أهل العلم ورجال القانون الذين يميزون الحق من الباطل.
يا وطني... قل لي ماذا أقول؟. ومن أين أبدأ وبما أنتهي؟. فأنا لا أملك سوى العزاء... ولكني مازلت قادرا على أن أقول وأردد القول؛ إني أحبك، وإني فداء ترابك وبحرك.
يا وطني... دعني أسرد عليك قضية لتقل لي بعدها هل للحضارة والإنسانية المُدعى بهما مكانة فيها. وتتلخص وقائع هذه القضية في أن هناك مواطنا من نسلك ودمك ولحمك اسمه «جمال علي محسن عبدالله»، أسعفه الحظ أن يهاجر مع زوجته (البحرينية) إلى الولايات المتحدة الأميركية لمواصلة دراسته العليا على حسابه الخاص، وهناك رُزق بطفل سماه «محمود». واستنادا إلى قانون ذلك البلد مُنح هذا المولود الجنسية الأميركية، لا لرغبة منه فيها وإنما كان ذلك التزاما بقانون هذا البلد.
وبعد أن أنهى «الأب» دراسته عاد إلى أرض الوطن ومعه عائلته وابنه (الطفل) الذي يحمل الجنسية الأميركية. وعندما طلب هذا «الأب» من الجهات المعنية إصدار جواز سفر بحريني إلى ابنه (الطفل) رُفض طلبه امتثالا لقاعدة حظر ازدواج الجنسية. فعمد إلى إسقاط الجنسية الأميركية عن ابنه من حيث أنها جاءت بشكل عرضي، إلاّ أن السفارة الأميركية رفضت ذلك بشدة نظرا إلى أن قانون الولايات المتحدة الأميركية يمنع إسقاط الجنسية الأميركية إلاّ بحكم قضائي، أو بناء على رغبة صريحة صادرة من حاملها. وعليه ظل «الأب» واقعا بين المطرقة والسندان لا يدري أين المخرج.
وأخيرا قالوا له لا مخرج أمامك سوى أن تطلب من المسئولين في البحرين أن تستثنيك من قاعدة الحظر، فخاطب المسئولين، وظل منتظرا الرد لأكثر من عامين ولا يزال. بيد أنه ما برح يحمل الأمل في أن لا يخيب أمله طال الوقت أم قصر.
لكن القضية لا علاقة لها بهذا الأمل، فهو أمل قائم، إنما القضية تكمن في واقع هذا الطفل الذي حُرمت عائلته من السفر طيلة ثلاث سنين مضت إلا بصحبته، وصحبته باتت مستحيلة. ثم أنه فوق هذا تكتشف هذه العائلة مؤخرا أنها مطالبة الآن بدفع رسوم متأخرة عن إقامة ابنها التي بلغت حتى الساعة ألفي دينار (2000 دينار).
فهذه الواقعة تعودنا إلى السؤال: هل أن حق التجنيس يخضع هو الآخر لميزان الأفضلية فضلا عن أفضلية المسكن وغيره كما أشرنا؟. وهل أن قاعدة الحظر تلك تحجب عن طفل في مثل حالته هذه من التمتع بالجنسية؟. وهل هناك في القانون ما يمنع ذلك؟.
إني أعلم جيدا أن قانون الجنسية البحريني لعام 1963 وتعديلاته ينص على أن أي شخص يولد في البحرين أو خارجها وكان والده (وحده) بحرينيا عند الولادة يعتبر بحرينيا بقوة القانون. فكيف إذا كان والدا هذا الطفل يحملا معا الجنسية البحرينية؟
إن قاعدة حظر ازدواج الجنسية (إنْ وجدت وطُبقت على الجميع) يجب أن لا تُحمل على إطلاقها، فلكل قاعدة استثناء، وأعتقد أن واقع الطفل هذا يمثل حالة استثنائية بالطبع، من حيث أنه لم يطلب الجنسية الأجنبية برغبته إنما مُنحت له بمقتضى قانون تلك الدولة الأجنبية كما قلنا، ومن ناحية أخرى أن والده غير قادر على إسقاط هذه الجنسية للأسباب السابق ذكرها.
إذن... ألسنا في واقع يتطلب الوقوف حوله إنسانيا وحضاريا.
فإذا كان الأمر ذلك فأين هي الحضارة وأين هي الإنسانية اللتان باسمهما افتتح بازار الجنسية البحرينية في كل الجهات الأربع الأصلية، وحتى الجهات الأربع الفرعية.
وأخيرا أعود لك يا وطني ثانية لأسألك أنت فقط:
ألاَ يكون ما حدث كان خطيئة ارتكبت بحقك وبحق أبنائك؟.
فإن أجابني غيرك أن لا ثمة خطيئة مرتكبة، سأقول له برر إذن بمنطق سليم هذه الفعلة.
أما إذا قُلت لي - يا وطني - أنك مباح للغريب، أو أن أبناءك من أصلك ونسلك هم في الدرجة الثانية أو الثالثة، أو أنهم في كفة الميزان الأخف، حق لي أن أسألك إذن: لمن تكون يا وطني؟
علي محسن الورقاء
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2578 - الأحد 27 سبتمبر 2009م الموافق 08 شوال 1430هـ