أعمدة
التجنيس بعد أكثر من عشر سنوات
جمال السلمان
جمال السلمان
في الطائرة وأنا عائد من إحدى العواصم الخليجية، جلس إلى جانبي أحد الإخوة العرب ممن يسكنون تلك العاصمة الخليجية لما يقارب الثلاثين عاماً، تجاذبنا أطراف الحديث، فسألني عن جنسيتي، فقلت له أنا بحريني، فغمزني بقوله: بحريني بحريني أو مجنس؟ قلت له بل بحريني أباً عن جد. ثم عاجلني بقوله: يقول لي آباء بلدي أن الجنسية البحرينية سهل جداً الحصول عليها وأنا أريد أن أحصل على الجنسية البحرينية حتى يسهل تنقلي في الخليج!. هكذا وصلت سمعة التجنيس إلى أقطار الدنيا. من أراد جنسية البحرين حتى يسهل عليه التنقل في الخليج فليسعى فإنها قريبة المنال!. ترى لماذا تميزنا في هذا المجال حتى صرنا مضرب الأمثال؟ لماذا لا توجد على الأرض في الوقت الحالي دولة في ظروف اقتصادية واجتماعية ووفرة في الأرض والمال وحاجة للموارد البشرية لا تقارن بنا ولا تسعى للتجنيس بالصورة التي لدينا؟!
منذ أكثر من عشر سنوات وحديث الشارع في البحرين هو موضوع التجنيس وتداعياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية على هذه الأرض الطيبة، عشر سنوات والبحرين كلها تتحدث عن شواهد صارخه عن التجنيس، في الوقت الذي دأبت فيه السلطات المختصة في البحرين بكل ما أوتيت من قوة على نفي وجود سياسة تجنيس واسعة لجماعات كبيرة من مختلف الجنسيات، وقد تجلى هذا النفي في تصريحات مسؤولين في وزارة الداخلية البحرينية، حيث تسعى الحكومة إلى تهدئة الخواطر من خلال نشر أرقام رمزية حول التجنيس يشكك الكثير من المواطنين في دقتها وصحتها .. خاصة وإن النفي الحكومي يأتي بعد تصاعد التذمر والاستياء الشعبيين من جراء سياسة التجنيس التي يرى فيها الكثير من أبناء البحرين تطاولا على ثوابت هذا البلد يهدف إلى إيجاد تغيير في التركيبة السكانية والديموغرافية له.
عقدت المعارضة عدداً من الندوات الجماهيرية وورش العمل المتخصصة لمناقشة أبعاد هذا البرنامج المثير والخطر على مستقبل البلاد، شُكلت لجنة للتحقيق في التجنيس في البرلمان السابق حُجم دورها و حُصر نشاطها في البعد القانوني، دونما التفات إلى الأبعاد المتعلقة بواقع الناس وحياتهم ومعاشهم.
وتشتكي الدولة من شح الموارد، وحاجتها الدائمة إلى الاقتراض والمساعدات الخارجية. إذ إن معظم المدارس والمراكز الصحية، مثلا، تبنى من دول شقيقة، ضغط شديد على الخدمات الطبية والتعليمية، لا زالت البلاد تعيش على مستشفى حكومي مركزي واحد يخدم أكثر من مليون على أرض البحرين على عهدة الأرقام التي أعلنها الوزير المسؤول، على مستوى الإسكان، الأرقام المعلنة تشير إلى أن 40 ألفا ينتظرون دورهم وبعضهم ينتظر منذ التسعينيات من القرن الماضي، ميزانية الدولة راوحت أشهر بين البرلمان والحكومة دون اتفاق لأن الحكومة تريد شد الأحزمة والتقشف، بينما سياسة التجنيس تحتاج إلى بناء مدارس ومستشفيات وخدمات ومساعدات وغيرها.
لي أصدقاء أعزاء حصلوا على الجنسية البحرينية بعد أن قضوا من العمر عتياً، أعتز بهم بحرينيون صميمو الانتماء يحبون هذه الأرض وأصبحوا يحسون بالغربة في بلدانهم الأصلية، هؤلاء الذين حصلوا على الجنسية في إطار القانون لا أحد يعترض على تجنيسهم، إنما إغراق البلاد بمجنسين بعشرات الآلاف، ومهما نفت الدولة، فليوجدوا تفسيراُ لهذا الارتفاع الكبير في عدد السكان حتى جاوزنا المليون بقدرة قادر، لا مسوغ أو مبرر اقتصادي أو اجتماعي أو ديمغرافي، لا حرص على البحرين العربية بأبنائها وتآلفهم وتحابهم، إلى متى تستمر الدولة في سياسة قولوا ما تريدون وأنا أعمل ما أريد؟ هل رؤية البحرين الاقتصادية والرفاه الموعود لأبناء البحرين ينسجم مع هذه السياسة؟ أين المستقبل وأين الأيام الأجمل؟ ذلك السؤال الذي يريد أبناء البلاد جواباً صادقاً شفافاً فهل من مجيب؟